عندما قامت إسرائيل في 14 مايو 1948، أعلنت عن نفسها كدولة يهودية ونفذت مخططًا على الأرض يضمن أن تكون تلك دولة ذات أكثرية يهودية ساحقة. والطريقة التي اتبعتها حكومات إسرائيل الأولى لتثبيت نفسها كدولة يهودية على أرض الواقع، بدأت باحتلال أجزاء واسعة من الأراضي التي كانت مخصصة لدولة الشعب العربي حسب قرار التقسيم وطرد معظم السكان الفلسطينيين أو تخويفهم بالمذابح لدفعهم إلى الرحيل، ودمرت نحو 500 بلدة وحولت سكانها إلى لاجئين في الوطن أو خارج الوطن. وفي مرحلة لاحقة، وضعت مخططات ترحيل أخرى. وقد كشف أحدها قائد شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أهرون يريف، الذي قال سنة 1973 إن هناك مخططات لاستغلال أول حرب قادمة وترحيل ما بين 600 - 700 مواطن عربي من الجليل والضفة الغربية إلى شرق الأردن. وهناك مؤرخون يرون أن مجزرة كفر قاسم، التي نفذت سنة 1956 إبان حرب السويس (المعروفة باسم «العدوان الثلاثي على مصر») وقتل فيها 49 فلسطينيا، استهدفت إرهاب فلسطينيي 48 وحملهم على الرحيل هم وبقية فلسطينيي 48 في منطقة المثلث، ولكنها فشلت. وثبتت القيادة الإسرائيلية الطابع اليهودي للدولة في رموزها الأساسية، فالعلم يحمل نجمة داود، والملك داود هو أهم قائد في تاريخ اليهود. وأحيطت النجمة بخطين أزرقين، يرمزان إلى النيل والفرات، حدود «أرض إسرائيل» كما يعتقد اليهود. وتم اختيار الشمعدان اليهودي رمزا للدولة، وهو من أهم الأدوات المقدسة في هيكل سليمان. وتم وضع نشيد قومي للدولة يتحدث عن الشغف اليهودي التاريخي بالقدس وأرض إسرائيل. وسن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مجموعة قوانين تكرس فيها مفهوم الدولة اليهودية، مثل «قانون العودة» من سنة 1950، الذي يضمن لكل يهودي في العالم الحق في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الهوية فيها، وقد تم تعديل هذا القانون عدة مرات لمصلحة تعزيز هذا الحق أكثر وحرمان الفلسطينيين المهجرين من العودة. وقانون الجنسية الذي سن سنة 1952 وفيه حق لكل يهودي في العالم أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية حتى لو لم يسكن فيها وعدة قوانين تحرم المواطنين العرب من حق الزواج من فلسطينيين في الخارج وجلبهم للعيش في إسرائيل. وقانون السبت سنة 1959، الذي يفرض على سكان إسرائيل يهودا وعربا، متدينين وغير متدينين، احترام تقاليد السبت والراحة. وفي سنة 1984، تم تكريس يهودية إسرائيل في قانون خاص، وذلك بعد أن ظهرت «عصبة الدفاع اليهودية»، التي عرفت أيضا باسم حركة «كاخ» بقيادة الرباي اليميني العنصري مئير كهانا. فهذه الحركة طرحت مشروعا لترحيل من تبقى من فلسطينيين في إسرائيل و«إقناع» الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضا بالرحيل وتحويل إسرائيل إلى «دولة يهودية قوانينها تستند إلى أحكام التوراة». وقال يومها إنه مثلما يحق لإيران أن تكون دولة إسلامية يحق لإسرائيل أن تكون دولة يهودية. هنا قررت الأحزاب الحاكمة تكريس وضع إسرائيل ك«دولة يهودية ديمقراطية»، في القانون الإسرائيلي. وتم تمرير قانون كهذا في الكنيست فعلا ذلك العام. وفرض على كل حزب يخوض الانتخابات العامة أن يعترف بالدولة ويقبلها ك«دولة يهودية ديمقراطية». وفيما بعد فرضوا هذا القبول على المرشحين بشكل فردي أيضا وليس فقط بشكل جماعي. وعاد الكنيست للبحث في الموضوع في سنة 1999 وهذه المرة في إطار محاربة الأحزاب القومية والوطنية للجماهير العربية في إسرائيل (فلسطينيي 48). فقد طالبوا بمنع الحركة العربية للتغيير برئاسة النائب أحمد الطيبي وحزب التجمع الوطني برئاسة النائب عزمي بشارة، من خوض الانتخابات بحجة أنهما لا يهددان يهودية الدولة. وقد صادقت لجنة الانتخابات المركزية على هذا التوجه. ولكن محكمة العدل العليا رفضته وسمحت للقائمتين بأن تخوضا الانتخابات وتم تكرار هذه العملية في الانتخابات التي جرت بعدئذ سنة 2003 وسنة 2006 ثم 2009. وقد كتب رئيس المحكمة العليا، أهرون براك، يومها أن هناك استغلالا زائدا عن الحد لمسألة يهودية الدولة. * خلال كل هذه السنوات منذ قيام إسرائيل وحتى اليوم مورست سياسة تمييز عنصري ضد فلسطينيي 48، أدت إلى نشوء هوة عميقة في مستوى المعيشة بينهم وبين اليهود. وفي السنوات من 1948 وحتى 1966 فرض حكم عسكري على المواطنين العرب، فكان الجيش صاحب القرار بتنقلهم من مكان إلى مكان وفق تصاريح عسكرية للعمل أو التعليم الجامعي. وبعد إزالة الحكم العسكري تولى «الشاباك» (جهاز المخابرات العامة) مسؤوليتهم الأمنية فتدخل في كل جوانب حياتهم. ومنع نشوء حزب قومي لهم بالمحكمة، حتى سنوات الثمانينات. وفي سنوات لاحقة، كشف النقاب عن نقاش سري دار في أروقة الحكومات المختلفة حول مصير العرب في إسرائيل. وقال رئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، إن السماح لمن تبقى من العرب في إسرائيل كان خطأ استراتيجيا. وبن غوريون هذا مزق بطاقة الهوية الإسرائيلية التي يحملها، لأن كلمات بالعربية ظهرت فيها. وأدار سياسة «تطفيش»، هدفها تيئيس العرب حتى يهجروا وطنهم. ولكن، بالمقابل، رأى العرب في بقائهم في إسرائيل نضالا وطنيا من الدرجة الأولى. ومن ضمن هذا النضال المطالبة بإصرار بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، لتثبيت حقهم في الوجود. وحاربوا ظاهرة اليأس والهجرة. وتمسكوا بانتمائهم الوطني لشعبهم الفلسطيني ولأمتهم العربية. وأقاموا أحزابا وطنية عديدة، ممثلة بأحد عشر نائبا في الكنيست. وطوروا أدبا وشعرا مميزا لهم، عرف في العالم العربي بأدب المقاومة، وبرزت فيه أسماء لامعة على صعيد عربي وعالمي، مثل الأديب إميل حبيبي والشعراء: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد. وحافظوا في الوقت نفسه على تميزهم كمواطنين في إسرائيل، فأداروا نضالهم بشكل مسؤول بلا مغامرات زائدة وبلا عربدة. فالتزموا بالقوانين الإسرائيلية. واندمجوا في الحياة الإسرائيلية. وبنوا لأنفسهم طموحات بالانخراط في المجتمع وكسب ما يستطاع من إمكاناته العلمية المتقدمة وتطوره التكنولوجي وصناعاته واختراعاته وازدهاره الاقتصادي. وبرزت مواهب عديدة ونجاحات مذهلة لهم. ففي قطاع الطب تجد نسبة العرب تزيد على نسبتهم من السكان، فإذا كان العرب يشكلون نحو 18% من سكان إسرائيل فإن نسبة الأطباء العرب تتجاوز نسبة 20% من مجموع الأطباء في إسرائيل. وهناك ارتفاع متواصل في عدد العرب بين مسجلي الاختراعات. وتوجد مجموعة كبيرة من نجوم الفن، خصوصا في المسرح والسينما والموسيقى، في عالم الفن الإسرائيلي. وكذلك في الرياضة. وكل تقدم للعرب في أي مجال كان، يتحول إلى كابوس عند مجموعات غير قليلة من المواطنين اليهود العنصريين، ولكنها تتحول إلى هستيريا وهوس لدى السياسيين العنصريين. وكثيرا ما تسمع في الملاعب الرياضية هتافات: «الموت للعرب»، لأن لاعبا عربيا يتفوق في فريق يهودي ويحرز هدفا في ملعب الفريق اليهودي الخصم. ونشطاء اليمين المتطرف، يتظاهرون في المدن العربية، محرضين على قادتهم السياسيين، بدعوى أنهم لا يرفعون العلم الإسرائيلي على المدارس أو مباني البلديات، كما يتطلب القانون. ويطالبون بحرمان العرب من حق التصويت للكنيست.