لو كنت في لندن، واشتقت الى ازدحام سوق الحميدية في دمشق، أو الأصوات العالية في سوق خان الخليلي في القاهرة، أو البضائع التي لا أول لها ولا آخر في أسواق الدار البيضاء، فلا تقلق، هناك بين محلات لندن الفاخرة ذات العلامات المسجلة، ومراكزها التجارية ذات الأبواب الاوتوماتيكية، ومطاعمها المنمقة المنسقة التي تتطلب الحجز المسبق، أسواق لا أول لها ولا آخر، تنافس أسواقنا العربية في الازدحام وتنوع البضائع والضوضاء. وبدلاً من الأسواق السياحية الموجهة مع سبق الاصرار والترصد الى السائح الباحث عن بعض الارتجال والابتعاد عن النظام الانكليزي المعتاد، وهي كثيرة مثل سوق "كوفنت غاردن" و"تشارينغ كروس" و"غرايز" للانتيكات، تتوجه "الحياة" رأساً الى القاع. في شرق لندن وتحديداً منطقة "بريك لين" حيث تتركز الجاليات الآسيوية الفقيرة، لا سيما البنغالية. خضروات وفواكه، ملابس جديدة ومستعملة، منتجات الجلد المختلفة، دراجات، اسطوانات وشرائط كاسيت، أثاث، نظارات شمسية، ببساطة ليس هناك ما لا يباع في هذه السوق التي تسيطر عليها رائحة الكاري والتوابل الآسيوية النابعة من المطاعم الصغيرة الكثيرة المنتشرة هناك. الجانب السالب الوحيد في تلك السوق هو أن الزائر سيضطر الى الاستيقاظ مبكراً يوم الأحد لأن السوق لا تعمل إلا بين الثامنة صباحاً الى الواحدة بعد الظهر. ولو لم تكن من هواة الطعام الآسيوي ذي النكهة الحارة، فعليك بالتوجه الى سوق "ليدن هول" في شرق لندن كذلك، حيث تشكيلة كبيرة من المأكولات غير المعتادة. أنواع مختلفة من الجبن التي لا تباع عادة في محلات السوبرماركت، أسماك عادية ومملحة ومقددة، لحوم غير تقليدية غزلان ونعام وغيرها كلها موجود في هذه السوق ذات الأسقف الزجاجية والأرض المبلطة التي تجعل من زيارة السوق من دون الانغماس في مأكولاتها غالية الأسعار رحلة تستحق عناء الاستيقاظ في السادسة صباحاً للحاق بموعد فتح الأبواب عند حلول السابعة صباحاً. ويمكنك الاستمتاع بساعتين اضافيتين من النوم صباح يوم السبت مع إمكان التسوق في "The Waste" أو "سوق الفضلات". وإذا كان الاسم من شأنه أن يفسد شهيتك للشراء، فرجاء ألا تفقدها. ففي لندن هوس بين أبناء الطبقتين المتوسطة والراقية وبناتها للبحث والتدقيق في أكوام البضائع المستعملة في المحلات المفتوحة للأغراض الخيرية، مثل "أوكسفام" و"الصليب الأحمر البريطاني" و"معهد أبحاث السرطان" وغيرها، أملاً في الفوز بكنز ثمين، سواء كان تنورة أصلية من تصميم "فرساتشي" أو كتاب ثمين، أو صحن تاريخي يعود الى قرون مضت. وفي شارع "كينغزلاند" في شرق لندن، تقام سوق "فضلات كينغزلاند" أو "Kingsland Waste" كل يوم سبت حيث يتجمهر آلاف البشر من مختلف الطبقات ولشتى الأهداف بحثاً عن جهاز تلفزيون مستعمل، أو اسطوانات وشرائط لا أكثر لها في محلات "أوكسفورد ستريت" أو الملابس التي تفشل في استيعابها خزائن ملابس نجوم الغناء والتمثيل فيبيعونها أو يتبرعون بها لأغراض مختلفة. ويسارع كثيرون من أولئك النجوم الى إعادة حشو خزائنهم من سوق "بورتبلو" في حي "نوتنغ هيل غيت" الذي يكتظ بمشاهير الفنانين والفنانات. وفي هذه السوق المفتوحة طوال أيام الاسبوع، مع انتعاش واضح في يوم السبت، تعرض بضائع دائمة التنوع من انتيكات واكسسوارات وملابس، ومنتجات من الجلد الأصلي. وفي السنوات القليلة الأخيرة، ذاع صيت عدد من البوتيكات الصغيرة المتاخمة لبعضها في "بورتبلو غرين"، لا سيما بين المشاهير صغار السن من قاطني لندن. ولا يضاهي "سوق بورتبلو" في تنوعه وشهرته بين المشاهير سوى "سوق كامدن" في شمال لندن والذي يفتح أبوابه يومي السبت والأحد. وعلى رغم أن صيت هذه السوق ذاع في أواخر السبعينات والثمانينات بين شباب البانك "Punk"، إلا أنه مع اندثار تلك الفئة الأخيرة، اتسعت قاعدة مرتادي كامدن لتشمل الأثرياء والفنانين والمشاهير، لا سيما ذوي الاهتمام بالثقافات الافريقية والآسيوية وغير الغربية بشكل عام. وفي شمال لندن أيضاً "سوق ومبلي" التي ذاع صيتها كثيراً بين السياح العرب في السنوات الأخيرة، بعدما اشتعلت أسعار الملابس في المحلات الكبرى المشهورة. وفي هذه السوق تباع الملابس المتبقية من المحلات الكبرى في سنوات سابقة بأسعار بخسة، بالاضافة الى كم هائل من الأدوات المنزلية ولعب الأطفال والأطعمة والاسطوانات المدمجة، وذلك بين التاسعة والثالثة من بعد ظهر يوم الأحد من كل اسبوع. وإذا كانت سوق ومبلي زادت شهرتها بين زوار لندن من العرب بفضل عوامل اقتصادية، فإن سوق "شبردز بوش" في غرب لندن كانت وما زالت معروفة بين سكان لندن من العرب وزوارهم أيضاً. يباغتك البائع في الكشك الأول في السوق الممتد بين شارعي "اكسبريدج" و"غولد هوك" بصوت جهوري: "طعمية يا باشا". وبينما تلتهم سندوتش الفلافل الشهي بوسعك أن تتفقد المعروضات الرخيصة من ملابس، وأدوات منزلية، ومأكولات عربية، وغيرها من البضائع الرخيصة. وأخيراً، لو اعترضت زوجتك على رحلات التبضع الرخيصة تلك، فعليك بالقفز معها في أقرب باص متجهة الى شارع "اوكسفورد" والعودة الى رحلات التبضع الكلاسيكية التي تبهج الزوجة وتتعس الزوج، وما هي إلا أيام وتعود الى أسواقنا العربية المزدحمة، من دون الحاجة الى افتعال الازدحام في أسواق لندن.