بداية، أودّ أن أوضح أن كلمة "مبادرة" initiative تعني أن يكون هناك هدف أو أهداف مرغوب فيها، ومطلوب تحقيقها، وأن يكون هذا الهدف واضحًا ومحددًا، وأن يكون له إمكان فعلي يسمح بتطبيقه. فلا فائدة من أهداف توضع إذا كانت الوسائل والأدوات الضرورية لنوالها ليست موجودة وليست محتملة. في خضم الهرولة للاعداد لمؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، الذي عقد أخيرًا في جوهانسبورغ، عقدت عشرات الاجتماعات من ندوات وورش عمل ومؤتمرات على مختلف المستويات في المنطقة العربية، تمخضت عن "إعلان أبوظبي عن مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي" في شباط فبراير 2001، وعن تقرير "تقويم التقدم في المنطقة العربية". وكما ذكرنا من قبل "البيئة والتنمية"، العدد الخاص، تموز/آب - يوليو/أغسطس 2002 لم يضف هذا الاعلان وذاك التقرير شيئًا يذكر لما سبقهما من إعلانات وبيانات وبرامج، من الاعلان العربي عن البيئة والتنمية تونس 1986 إلى البيان العربي عن البيئة والتنمية وآفاق المستقبل القاهرة 1991، فمحاور وبرامج العمل العربي للتنمية المستدامة التي أقرت في تشرين الأول أكتوبر 1992 في ضوء أجندة القرن ال21. ويبدو أن جامعة الدول العربية كانت مصممة على "زيادة الطين بلة"، فهرولت إلى تقديم ما أطلق عليه "مبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية" الى مؤتمر جوهانسبورغ وثيقة رقم A/CONF.199/9. وذكر أنها اعتمدت في اجتماع "رفيع المستوى" عقد يومي 30 و31 تموز يوليو 2002 في جامعة الدول العربية في القاهرة، أي قبل مؤتمر جوهانسبورغ ب 26 يومًا فقط. ونحن لا نود أن نخوض في الشكليات أو في الجوانب الإجرائية للقيام بهذه المبادرة، ولكننا نود أن نوضح أن كل من قرأ هذه المبادرة من العلماء والمختصين بشؤون البيئة والتنمية المستدامة تملكته الدهشة وأصابه الإحباط. فالذي قدمته جامعة الدول العربية هو "لا مبادرة"، رديئة الصيغة، لا تتضمن سوى قائمة من التوصيات 31 توصية تحت 8 موضوعات، من الواضح أنها جمعت في عجالة من وثائق قديمة. المبادرة، كما ذكرنا، تتضمن هدفًا أو أهدافًا محددة، لها إمكان فعلي يسمح بتطبيقها. واللامبادرة التي قدمتها جامعة الدول العربية لا تتضمن أيًا من الوسائل والأدوات التي يجب أن تعلن الجامعة عن تبنيها، بمواردها الخاصة، لتحقيق هذا الهدف أو ذاك. ولم تقل لنا "اللامبادرة" ما هو المطلوب من مساعدة لتحقيق ذلك، وممَّن. لا يكفي أن نطالب ب"دعم" و"تدعيم" و"تعزيز" و"مطالبة" المجتمع الدولي بأمر ما. يجب أن نكون أكثر تحديدًا، وأن نتبنى خطوات عملية في التنفيذ، تشكل حافزًا لتشجيع المجتمع الدولي على الإسهام في تحقيق ما نريد. لقد أصدرت الأممالمتحدة في 12 أيلول سبتمبر الماضي نشرة سلطت فيها الأضواء على الالتزامات والمبادرات التي توصلوا إليها في جوهانسبورغ، لم يرد فيها حتى مجرد إشارة إلى مبادرة جامعة الدول العربية، لخلوها من محتوى المبادرات. وفي ما يأتي بعض الأمثلة للمبادرات الجادة التي وردت في النشرة: في مجال مياه الشفة والصرف الصحي، أعلنت الولاياتالمتحدة عن مبادرة بتخصيص مبلغ 970 مليون دولار للاستثمار في مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وأعلن الاتحاد الأوروبي عن مبادرة "المياه للحياة"، وبمقتضاها تستكمل عمليات شراكة مع الدول الأفريقية ودول آسيا الوسطى لتحقيق الالتزامات المعلنة بالنسبة إلى مياه الشفة والصرف الصحي. في مجال الطاقة، أعلن الاتحاد الأوروبي تخصيص 700 مليون دولار للشراكة في مشروعات الطاقة، بخاصة الطاقة المتجددة. فهل قدمت جامعة الدول العربية في مبادرتها شيئًا محددًا كهذا؟ هل ذكرت، مثلاً، أنها خصصت 500 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لمكافحة تدهور الأرض والتصحر وتلوث المياه في المنطقة العربية؟ ذكر في مبادرة جامعة الدول العربية أن هناك ثلاثة مجالات أعطيت الأولوية في التنفيذ، هي برنامج الادارة المتكاملة للموارد المائية، وبرنامج إدارة تدهور الأراضي ومكافحة التصحر، وبرنامج الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وأن عددًا محددًا من المشاريع سيشرع في تنفيذها، وستكون جاهزة للاعتماد من خلال الآليات الاقليمية في أواخر تشرين الأول أكتوبر 2002. وفي هذا الصدد نود أن نوضح: أولاً، هذه البرامج الثلاثة ليست بالجديدة، فلقد سبق إقرارها ضمن 13 برنامجًا تضمنتها محاور وبرامج العمل العربي للتنمية المستدامة في 1992. ثانيًا، هناك مشاريع كثيرة جارية في هذه البرامج، خاصة بالنسبة إلى المناطق الساحلية مشاريع البحار الاقليمية الثلاثة: الخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، فما الذي ستضيفه مشاريع "المبادرة"؟ ثالثًا، ما حجم التمويل الذي رصدته جامعة الدول العربية لهذه البرامج الثلاثة، كمبادرة، لجذب موارد إضافية من "المجتمع الدولي" لتحقيق أهداف هذه البرامج. إننا نخشى، ونرجو أن نكون مخطئين، أن الأمر سينتهي إلى إعداد المزيد من التقارير المتواضعة من دون تحقيق أي شيء ملموس على الأرض. * مدير سابق لدائرة التوقعات البيئية في برنامج الأممالمتحدة للبيئة وأستاذ في المركز القومي للبحوث في مصر. ** ينشر المقال في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية" عدد تشرين الأول أكتوبر.