الحقيل يستقبل وزير الإسكان المصري في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    الهلال يدعم قائده السابق سلمان الفرج بعد تعرضه للإصابة    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    انطلاق فعاليات المؤتمر السعودي 16 لطب التخدير    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    القبض على (7) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    الدكتور الربيعة: العمل الإنساني يعاني من تنامي الأزمات ونقص التمويل وصعوبة الوصول للفئات المستهدفة    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    رقمنة الثقافة    الوطن    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    أفراح النوب والجش    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعادة التنوع الأحيائي    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة العراقية واحتمالات الخروج منها
نشر في الحياة يوم 25 - 09 - 2002

على رغم اعلان الحكومة العراقية قبولها بعودة المفتشين الدوليين، إلا ان الأصوات المنادية بضرورة غزو العراق وتغيير الحكومة الاميركية النظام بالقوة لا تزال في تزايد. لكنها، على رغم تعددها وتباين أهدافها ودوافعها، لم تستطع السيطرة بالقدر المطلوب على الساحة الشعبية والانفراد بقيادة الاعلام على الساحة الدولية. اذ تقف في مواجهة تلك الاصوات أطراف متعددة بعضها يدين الخطط العدوانية، وبعضها الآخر ينادي بالتريث واحكام العقل وتقويم النتائج المحتملة لحرب قد تكون غير مبررة.
وبسبب تمحور المواقف داخل اميركا، خصوصاً بينها وبين حلفائها الأوروبيين والعرب، وتباين الآراء داخل الادارة والكونغرس، اضطر الرئيس بوش الى اللجوء الى الأمم المتحدة طالباً غطاء دولياً للهجوم على العراق. وقد تسبب كل هذا، خصوصاً قبول بغداد بعودة المفتشين، في اضعاف احتمالات الحرب، على الأقل في المدى القصير، وانقاذ العراق والبلاد العربية آنياً من كارثة حرب اقليمية أخرى تهز كيان الانظمة العربية القائمة وتعمل على تقويض دعائم الاستقرار الهشة في المنطقة.
تقوم دعوة المطالبين بغزو العراق داخل أميركا وخارجها على ادعاءات عدة لم تستطع الادارة الاميركية اثبات أي منها سوى عدم التزام العراق تنفيذ قرارات مجلس الأمن تنفيذاً كاملاً، خصوصاً ما يتعلق منها بأسلحة الدمار الشامل. ويعني هذا ان النجاح في دحض هذه الحجة، أو اتجاه العراق بجدية الى تنفيذ تلك القرارات، من شأنه اضعاف الحجج الاميركية، وبالتالي احتمالات الحرب بدرجة كبيرة جداً. ويمكن تلخيص الادعاءات الاميركية بضرورة تغيير نظام الحكم بالقوة بالآتي:
1- ان العراق يملك أسلحة بيولوجية وكيماوية، وانه في الطريق الى الحصول على أسلحة نووية أيضاً، وهذه أسلحة تهدد الأمن الدولي.
2- ان للعراق ارتباطات قديمة بمنظمات ارهابية دولية، وانه قد يلجأ في المستقبل الى امداد بعض تلك المنظمات بأسلحة الدمار الشامل لاستخدامها ضد الغرب عموماً، واميركا خصوصاً.
3- ان النظام العراقي الحالي استخدم في الماضي أسلحة الدمار الشامل ضد مواطنيه مما يجعله نظاماً خارجاً على القانون والمواثيق والأعراف الدولية.
4- ان العراق يهدد أمن جيرانه وسلامتهم بامتلاكه تلك الأسلحة وبسبب سياسته العدوانية التي دفعته الى غزو ايران والكويت وضرب السعودية واسرائيل.
وبسبب نجاح الأصوات المناوئة للغزو في الرد على تلك الادعاءات رداً علمياً مقنعاً فإن كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الأمن القومي، صرحت أخيراً: "لقد تعارضت مصالح العراق مع مصالح اميركا في الماضي، وان من المحتم ان تتعارض تلك المصالح مجدداً في المستقبل". وهذا يعني، بغض النظر عن كل المبررات، ان السياسة الاميركية ترى ان الحفاظ على مصالحها يستدعي تغيير نظام الحكم الحالي في بغداد بنظام آخر يخدم المصالح الاميركية. ولهذا اتجهت الادارة الاميركية الى تبني سياسة الحرب الوقائية. ويقوم مفهوم هذه الحرب على تبرير غزو أي بلد يعتقد بأن نظام الحكم فيه يشكل خطراً على مصالح البلد القوي في المستقبل.
وفي ضوء هذا التوجه الجديد ارتفعت اصوات المعارضة الى القول بأن "الحرب الوقائية" سياسة مخالفة للقانون الدولي وتشكل في حال القيام بها سابقة خطيرة قد تفتح الباب للغير من القوى العالمية والاقليمية للعدوان على جيرانها. وبالتحديد تقول تلك الاصوات ان تبني اميركا "الحرب الوقائية" سياسةً خارجيةً من شأنه ان يعطي المبرر الكافي لاعتداء الهند مثلاً على باكستان والعمل على تغيير نظام الحكم فيها بالقوة بما يتناسب مع المصالح الهندية، واعتداء الصين على تايوان وضمها اليها بالقوة.
كما ان من المحتمل جداً، ان لم يكن من شبه المؤكد، ان تلجأ اسرائيل الى السياسة نفسها بالاعتداء على سورية أو مصر، خصوصاً ان أهم الأصوات الاميركية الداعية الى غزو العراق تعكس وجهات نظر ومواقف القوى المؤيدة لاسرائيل وسياستها التوسعية العدوانية تأييداً كاملاً، وتطالب في الوقت ذاته بتغيير أنظمة الحكم في كل من سورية ومصر والسعودية والأردن. وبما ان شارون كان ولا يزال يخطط لجعل الأردن "وطناً بديلاً" للفلسطينيين، فإن الظروف والمنطق للحرب الوقائية والحرب على الارهاب قد تشجعه على غزو الأردن واقامة دولة فلسطينية فيه بالقوة. ان تغيير الأمر الواقع بالقوة وفرضه على العرب والمجتمع الدولي كانا ولا يزالان مبدأ مهماً، بل اساسياً، من مبادئ السياسة الاسرائيلية منذ قيام الدولة اليهودية العنصرية.
ان تعارض الآراء والمواقف داخل اميركا الرسمية والشعبية من ناحية، ووقوف كل حلفاء اميركا في أوروبا ضد سياسة غزو العراق من دون غطاء دولي من ناحية ثانية، والرفض العربي الكامل للغزو من ناحية اخرى، أدت الى تعقيد القرار الاميركي. لذا أصبح على الرئيس بوش، خصوصاً في ضوء الأوضاع الاقتصادية السيئة، واقتراب موعد الانتخابات النيابية، ومخاطر تبعات الحرب على طموحاته السياسية ان يعيد حساباته. وهذا ما دفعه الى اللجوء الى الامم المتحدة يطلب تفويضاً لغزو العراق. ولذا نعتقد بأن غزو اميركا العراق منفردة من دون مظلة دولية ودعم واضح من الكونغرس أصبح صعباً.
إن وقوف العرب ضد منطق الحرب ورفض المشاركة في حملة اميركية على العراق لا يكفيان، لأنهما يشكلان موقفاً سلبياً يقوم على الرفض من دون طرح ايجابي يضع العراقيل السياسية والقانونية في طريق الحرب المقترحة. ان على العرب اخذ زمام المبادرة وطرح مشروع قرار دولي يقوم على الآتي:
1- الترحيب بقرار العراق السماح بعودة المفتشين الدوليين وحضه على التعاون معهم لاستكمال مهمتهم، وتحديد فترة زمنية لا تتجاوز سنتين.
2- دعوة الأمين العام للامم المتحدة الى التنسيق مع العراق ووضع جدول زمني محدد لإنهاء العقوبات المفروضة عليه، ليبدأ برفع العقوبات بعد ثلاثة اشهر من عودة المفتشين وينتهي بانتهاء مهمتهم.
3- النص على اعادة فرض العقوبات مجدداً اذا رفض العراق التعاون مع المفتشين، وعرقل مهمتهم والعودة الى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ الاجراءات المناسبة.
4- النص على احترام سيادة العراق ووحدة أراضيه ورفض منطق الحرب الوقائية بكل أشكالها وصورها وبغض النظر عن مبرراتها.
وفي حال فشل العرب في الحصول على قرار بهذا المحتوى من مجلس الأمن عليهم ان يحاولوا الحصول على مثل هذا القرار من الجمعية العمومية.
ان غزو اميركا العراق وتغيير نظام الحكم فيه واحتلال أراضيه يعني الوجود العسكري الاميركي المكثف وشبه الدائم في العراق. ويشكل هذا تهديداً لكل الدول العربية ولايران ايضاً، ويحول دون ممارسة أي من تلك الدول حقوقها السيادية وحماية مصالحها الوطنية. كما يعني ذلك الوجود العسكري الاميركي السيطرة شبه الكاملة على منابع النفط الخليجية، العربية والايرانية. وفي ضوء التحالف القائم اليوم بين اميركا واسرائيل، فإن الوجود العسكري الاميركي في العراق سيفتح الباب على مصراعيه لاعتداء الدولة العبرية على الدول العربية المجاورة وتحويل بعضها الى محميات اسرائيلية.
ان التهديد بغزو العراق وتغيير نظام الحكم فيه بالقوة - بغض النظر عن طبيعة ذلك النظام - ومفهوم الحرب الوقائية، هي أهم المخاطر التي تتعرض لها الكيانات والشعوب العربية في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور.
* استاذ الاقتصاد السياسي الدولي، جامعة الأخوين، افران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.