تمسك الرئيس ياسر عرفات بموقفه الرافض تسليم قائمة باسماء الموجودين داخل مكتبه المحاصر والمدمر، فيما اتهمت أوساط في حركة "فتح" بعض الشخصيات في الحركة بلعب "دور الوسيط" بين الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية، معتبرة ذلك محاولة ل"الالتفاف" على رئيسها. وضع الحصار العسكري الإسرائيلي المضروب على مكتب الرئيس ياسر عرفات أمام خيارين: إما "انتحار سياسي" أمام شعبه أو مواصلة الصمود إلى النهاية، خصوصاً بعد أن بدأت الاتصالات بين مسؤولين فلسطينيين وضباط إسرائيليين تحت ضغوط عربية وأوروبية وأميركية ل"حل المشكلة" عن طريق التفاوض. وأعادت هذه المفاوضات إلى الأذهان سيناريو حصار مجمع "المقاطعة" في رام الله وكنيسة المهد في بيت لحم أواخر آذار مارس ونيسان ابريل الماضيين، ما يهدد، حسب المراقبين، ما تبقى من ثقة لدى الشعب الفلسطيني برئيسهم الذين خرجوا إلى الشوارع مجدداً تعبيراً عن دعمهم له "طالما استمر في الصمود". وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الفلسطيني ومن معه رفضهم تسليم قائمة بأسماء الموجودين داخل المكتب الرئاسي المحاصر لليوم الخامس على التوالي، أكدت مصادر مطلعة ل"الحياة" أن ثلاثة اقتراحات عربية قُدمت إلى الفلسطينيين في شأن "المطلوبين"، فإما نقلهم إلى قطر أو ارسالهم إلى السجن في أريحا إلى جانب الأمين العام ل"الجبهة الشعبية" أحمد سعدات ورفاقه الأربعة المتهمين باغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي كما حدث خلال الحصار على المقاطعة قبل خمسة شهور، أو نقلهم إلى غزة كما حدث مع بعض المقاتلين الذين حوصروا في كنيسة المهد في بيت لحم. وأكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" هاني الحسن، الموجود بين المحاصرين، ان الرئيس الفلسطيني "لن يسلم أي قائمة بأسماء الموجودين معه"، موضحاً أن تجربة كنيسة المهد "لن تتكرر". وأشار إلى أن "أطرافاً عربية تدخلت للحصول على القائمة". وقال الحسن إنه أثناء حصار الكنيسة، طالب الإسرائيليون بقائمة تضم أسماء الموجودين في الداخل وعندما حصلوا عليها ارتفع عدد "المطلوبين" من ثلاثة إلى 50 شخصاً، و"اليوم يتحدثون عن توفيق الطيراوي وغداً سيتحدثون عن هاني الحسن". وكان وزير الحكم المحلي الفلسطيني صائب عريقات التقى مسؤولين عسكريين إسرائيليين في مقر ما يسمى "القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي" في مستوطنة "بيت ايل" شمال رام الله، في أول اتصال فلسطيني - إسرائيلي منذ بدء الحصار. وسمحت قوات الاحتلال لعريقات بالتوجه إلى مكتب الرئيس و"التشاور" معه في شأن مطالب الإسرائيليين. وأعلن عريقات فور خروجه من "المقاطعة" أن الرئيس الفلسطيني يرفض المطالب الإسرائيلية، وأنه لن يسلم قائمة أسماء. وقالت مصادر إسرائيلية إن الوزير الفلسطيني عقد لقاء ثانياً مع المسؤولين الإسرائيليين في أعقاب اجتماعه مع عرفات. وقال عريقات إن اللقاء جرى بترتيب دولي وانتهى بعد أن رفض المطلب الإسرائيلي بتسليم قائمة الأسماء. وفي السياق ذاته، رفض شارون السماح لممثل الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط ميغيل انخيل موراتينوس الوصول إلى المكتب المحاصر ولقاء الرئيس الفلسطيني في إطار سياسة العزل التي أعلن شارون أنه سيطبقها ضد عرفات. ويرى المراقبون أن عرفات أمام خيارات صعبة "أحلاها مر"، فإذا رضخ للضغوط الأوروبية والعربية والأميركية التي طالبته ب"ايجاد مخرج عبر الاتصالات السياسية مع الإسرائيليين"، فإنه سيفقد شعبيته التي استردها بقوة أخيراً، وسيكون ذلك بمثابة "انتحار سياسي"، وهو ما يريده شارون. ومن ناحية أخرى، فإن عرفات يواجه اصراراً إسرائيلياً بمواصلة تشديد الحصار إلى أن يتحقق لهم مطلبهم المعلن الذي سيؤدي في النهاية إلى شطب الزعيم الفلسطيني سياسياً. وحذر النائب في المجلس التشريعي في كتلة "فتح" قدورة فارس من "فتح السوق والاختلاف فقط حول السعر"، مشيراً إلى أن ثقة الناس بعرفات ستتضعضع أكثر مما كان عليه الحال بعد "صفقتي كنيسة المهد والجبهة الشعبية". وقال: "إذا تم التوصل إلى حل سخيف، فإن شعبية الرئيس ستنزل إلى الحضيض ولا اعتقد أنه سيقدم على ذلك". شارون: قطاع غزة بعد الانتهاء من المقاطعة ومقابل الرفض الفلسطيني للاذعان، جدد شارون اصراره على "تسليم المخربين أنفسهم"، مضيفاً: "لن نتنازل عن هذا". وقال في تصريحات لمناسبة احتفالات "عيد العرش" اليهودي: "لم ننه مهمتنا في غزة التي تعتبر اليوم مركز حركة حماس. في اللحظة التي سنتمكن فيها من حشد القوات الملائمة سنستهدف الحركة". ومن جانبه، قال الوزير الإسرائيلي المتطرف تساهي هنغبي إن إسرائيل "ستطرد عرفات وهذه هي مسألة وقت فقط، ربما نبعده الشهر الجاري أو الذي يليه". ونقلت الإذاعة الإسرائيلية بعد ظهر أمس عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن ما حدث في رام الله لن يعفي حركة "حماس" من المسؤولية عن العمليات ضد المدنيين الإسرائيليين وان "إسرائيل ستحاسب القيادة الروحية والسياسية والعسكرية" للحركة. "حصانة عرفات الجماهيرية" وهبت رياح فلسطينية بعكس ما اشتهت سفن شارون الإسرائيلية. ومع استمرار الحصار الذي رهنت فيه إسرائيل ليس حياة عرفات فقط، بل أكثر من 200 فلسطيني، تصاعدت موجة الدعم للزعيم الفلسطيني ووصلت أوجها في مهرجان جرى قرب حاجز قلنديا العسكري بعد ظهر أمس كان مقرراً أن يلقي خلاله عرفات خطاباً عبر الهاتف موجهاً للمشاركين فيه. بيان "فتح" وأصدرت حركة "فتح" بياناً أمس هاجمت فيه من وصفتهم "مجموعة من الوسطاء" الذين يعملون على "تسوية الأمر بين القائد الرمز أبو عمار وبين حكومة الإرهابيين في إسرائيل". وقالت مصادر في الحركة ل"الحياة" إن الحديث يدور عن لقاء شارك فيه عضو المجلس التشريعي نبيل عمرو وعضو المجلس الثوري حمدان عاشور في منزل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس أبو مازن. وقالت المصادر إن المجتمعين عرضوا على أبو مازن "برنامجاً سياسياً" يتناول التعامل مع مشاريع أوروبية وغيرها. ووصف النائب الفتحاوي في المجلس التشريعي الفلسطيني حاتم عبدالقادر الاجتماع بأنه "تحركات داخلية مشبوهة على الرئيس تستهدف الالتفاف عليه وتنفيس الضغوط الدولية الموجهة لشارون من أجل أن يرفع الحصار من خلال تقديم مشروع للإسرائيليين لفك الحصار على الرئيس". ونفى نبيل عمرو، الذي شارك في الاجتماع، هذه الاتهامات، وقال إن اللقاءات التي تجري بين الفلسطينيين في ظل منع التجول تجري بعلم الرئيس.