لم يكن أكثر المتفائلين في الدول العربية السياحية، خصوصاً لبنان ومصر، يتوقع أن يشهد البلدان هذا التدفق للخليجيين السياح. وعلى رغم أن كل الأجهزة السياحية فيهما استنفرت جهودها من أجل الحصول على أكبر نصيب من كعكة السياح الخليجيين هذا الصيف، لم تكن تتوقع هذا التدفق، بعدما كان أكثر أمنياتها نمو عدد السياح بنسبة 10 في المئة عن الأعوام السابقة. ولا يعود الفضل في ذلك - كما يقول أحد وكلاء السياحة - إلى تخطيط تلك الدول لاستقطاب أولئك السياح، بل إلى تداعيات الأحداث التي شهدها العالم بعد هجمات أيلول سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك، والتي تركت تأثيراً واسعاً في كل النشاطات الاقتصادية ومنها السياحة. ومن ملامح ذلك التأثير انتقال السياحة العالمية خصوصاً الخليجية من الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى لبنان ومصر ودول جنوب شرقي آسيا. غير أن الفائز الأكبر في هذا الماراثون هو قطاع السياحة الداخلية السعودية الذي استقطب أعداداً كبيرة تجاوزت معدلاتها على مدى سنوات سابقة. يقول رئيس "أجنحة المملكة" للسفر والسياحة سعد بن عبدالمحسن الرصيص إن أهم مؤشرات السياحة هو استقطاب السياحة الداخلية تلك الأعداد من السعوديين، بعدما كثفت الأجهزة الحكومية جهودها لانجاح مهرجانات السياحة والتسوق التي نظمتها خمس مدن سعودية. وشهدت المملكة هذه السنة خمس مهرجانات للسياحة والتسوق والعبادة في جدةوالمدينةوعسير والمنطقة الشرقية والطائف، في محاولة لاجتذاب السياح السعوديين الذين قاموا بنحو 4.4 مليون رحلة إلى الخارج عام 2000 أنفقوا خلالها 54 بليون ريال 4.4 بليون دولار. ويتوقع أن يحقق مهرجان جدة هذه السنة أكثر مما حققه في دورته السابقة حين وصل عدد زواره إلى نحو 8.3 مليون، وبلغت عائداته نحو 5.1 بليون ريال 400 مليون دولار. كما نظمت عسير مهرجان "أبها... ولا أبهى"، وتتوقع لجنة التنشيط السياحي في المنطقة أن يتجاوز عدد الزوار مليوناً ونصف مليون في مقابل 3.1 مليون العام الماضي أنفقوا أكثر من 530 مليون دولار. أما المدينةالمنورة التي نظمت مهرجانها الرابع "عبادة واستفادة"، فحققت نجاحاً كبيراً في استقطاب السياح المسلمين، إذ حصلت إدارة المهرجان على موافقة بفتح مطار المدينةالمنورة أمام الرحلات الآتية من الدول الإسلامية، ما ساعد في وصول حوالى 200 ألف إيراني خلال فترة المهرجان، بالإضافة إلى المعتمرين المصريين الذين سمح لهم بتنظيم 6 رحلات يومية إلى المدينة. وقدمت تخفيضات بلغت نحو 50 في المئة في الفنادق والخطوط السعودية الداخلية. وتشير احصاءات إلى أن مهرجان المدينة حقق هذه السنة نحو بليون ريال 266 مليون دولار. وكان بديهياً أن تنعكس تداعيات أحداث أيلول على خيارات السائح السعودي الذي يجوب دول العالم، فأحجم عن الذهاب إلى اميركا وأوروبا واتجه إلى الدول العربية. وكان للبنان نصيب الأسد من السياح السعوديين، تليه مصر ثم سورية فدول جنوب شرقي آسيا. ويعزو سعد الرصيص سبب امتناع السعوديين عن الذهاب إلى أميركا وأوروبا إلى حرصهم على التمتع باجازة بعيداً عن القلق وهاجس الاستجوابات، فضلاً عن التعقيدات التي فرضتها السلطات الأميركية وباتت تؤخر منح التأشيرات، مثل إلغاء وكالات السياحة التي سمح لها في السابق بالتعامل مع السفارات لنيل التأشيرات، وطول فترة الانتظار التي تصل إلى شهر للحصول على التأشيرة، وعدم منحها لكثيرين من الراغبين في السفر. ويرى الرصيص أن أحداث جبل طارق الأخيرة كانت أيضاً بين أسباب انخفاض عدد السعوديين الذين يفضلون السياحة في المغرب. وأظهرت دراسات أجرتها شركة "فيزا" العالمية ان حوالى 40 ألف شخص يمثلون نحو 90 في المئة من السعوديين الذين يسافرون عادة إلى الولاياتالمتحدة، ألغوا رحلاتهم إليها هذه السنة واتجهوا إلى دول أخرى مثل مصر والإمارات وماليزيا.