أن يطلب زعيم سياسي في الشرق الاوسط الاعتذار من شعبه!؟ أمر غير مألوف من دون شك. فزعماؤنا في العادة معصومون عن الخطأ الذي لا يُنسب ارتكابه الا الى المواطن العادي المطالَب بتقديم الاعتذارت والتوسلات، ليل نهار. وهو ينبغي أن يعتذر أيضاً عن أخطاء لم يرتكبها في الماضي، لكنه قد يرتكبها في المستقبل! قد يصح القول ان مسألة تقديم الاعتذار الى الآخرين ترتبط في احيان كثيرة بأخلاقيات الحاكم او الزعيم، أو بالأحرى بجوهره السياسي اذا صح التعبير. فالزعيم الذي يجهر بالاعتذار لا يؤكد سمو سلوكه الشخصي، بل يؤكد في المقام الاول استعداده للتعامل مع المعاني الانسانية للسياسة، واستعداده ايضاً لردم الهوة بينه وبين المحكومين، اضافة الى استعداده للتناغم مع طبيعة العملية الديموقراطية في العصر الراهن. اما الزعيم الذي يمتنع عن الاعتذار حتى لو ساهم في ابادة شعوب وتدمير مجتمعات ودول، فلا يعبر بممانعته هذه سوى عن تحجر وجمود انساني يتعديان العواطف الى المعاني السياسية نفسها. أسوق هذا الكلام لا للاشارة الى نماذج من الزعماء في الشرق الاوسط يزجون بشعوبهم في دوائر التدمير والموت تأففاً من اعلان الاعتذار لضحاياهم، بل للاشارة الى نقيض تلك الحالة: الى زعماء يطلبون الاعتذار، على رغم عدم وجود ما يدعو الى ذلك في علاقاتهم مع شعوبهم. وفي هذه الحالة الانسانية الاخيرة يمكن ادراج مبادرة الزعيم الكردي مسعود بارزاني في طلب الاعتذار من شعبه، في كتاب نشره مؤخراً في أربيل باللغة العربية عن التاريخ السياسي المعاصر للحركة الكردية. إنها مبادرة اقل ما يمكن ان يقال فيها إنها انسانية في منطقة فقدت السياسة فيها بريقها الانساني.