قمة عالمية سنوية للغة العربية    هل من حلول لارتفاع الإيجارات ؟!    لماذا الهلال ثابت ؟!    صافرة الفنزويلي "خيسوس" تضبط مواجهة الهلال والاتحاد    مكة الأكثر أمطاراً في حالة الإثنين    العالم يصافح المرأة السورية    حماية البذرة..!    روما يحسم «الدربي» ويعود إلى سكة الانتصارات    بيولي يتغنى بجودة الدوري السعودي.. ويكشف سبب قبوله النصر    الأمم المتحدة: إسرائيل فتحت النار على قوافلنا في غزة    سلام من صبا بردى أرق    «أبوظبي للغة العربية» يعزّز إستراتيجيته في قطاع النشر    حائل.. عام من الحرف اليدوية    "التراث" توقّع مذكرة تفاهم مع موتوكو كاتاكورا    سوريا بين تحديات إعادة الهيكلة وتصاعد التوتر في الجنوب    أُمُّك يا صاحب المعالي    إصابتان بفيروس رئوي بالهند    روسيا تسيطر على كوراخوفو وكييف تلتزم الصمت    رسمياً.. الكونغرس الأميركي يصادق على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية    الفيصلي يتغلّب على نيوم بثلاثية في دوري يلو    بودينس وحمدالله يوقّعان على تذكرة عبور «الليث»    جاستن ترودو يعلن استقالته من رئاسة الحكومة الكندية    إنذار أحمر وتحذيرات من الدفاع المدني على 3 مناطق    المملكة توقع اتفاقية تنفيذ المرحلة السابعة من تشغيل مركز الجعدة الصحي باليمن    2800 جولة إصحاح بيئي    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيسة الجمهورية الهيلينية في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    ريف يطلق فعالية قرية العسل    هوكشتاين من بيروت: إسرائيل ستخرج من لبنان بشكل كامل    نائب أمير تبوك يثمن حصول فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة نجران تحتفل بالمتطوعين    الترجيحية تصعد بالرائد    الأمير سعود بن نهار يزور مركزي" السيل والعطيف" ويقف على الأسكان التنموي والميقات.    محافظ الليث يستعرض مع أمين جدة المشاريع التنموية بالمحافظة    أمير المدينة يستقبل مواطنا تنازل عن قاتل ابنته    60 مليون ريال مطالبات مالية من مركز التحكيم الرياضي السعودي بنهاية 2024م    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "هذه البلاد بناء شامخ علينا جميعاً العمل على أن يزداد شموخاً"    إطلاق خارطة طريق بناء منظومة التقنيات العميقة في السعودية    أمين الطائف يتابع جهود احتواء آثار الحالة المطرية وفرق السيول تباشر اعمالها    النائب العام يتفقد مركز حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    زراعة جهاز على البطين الأيسر يجدد خلايا القلب 6 أضعاف السليم    متحدث الأرصاد: شاهقة رابغ تعد الأقوى من نوعها ولامست الشاطئ لأول مرة    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 12104 نقاط    وزارة المالية: 139 مليار ريال الاحتياجات التمويلية لتغطية عجز 2025    المدينة المنورة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 49.2 ملم في الشفية بدر    محافظ الأحساء: نقل مسار قطار البضائع خارج النطاق العمراني سيحسن جودة الحياة    أمير الرياض يستقبل سفير جمهورية سيراليون المعيَّن حديثًا لدى المملكة    جمعية رافد تطلق اللقاء الأول بعنوان المشاركة المجتمعية وأثرها في تمكين الأوقاف بجدة    التجارة : ارتفاع إجمالي السجلات المصدرة في الربع الرابع من 2024 ل 67%    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسان بوفاة الشيخ فهد بن إبراهيم الحمري البلوي    وزير الشؤون الاجتماعية في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل "شتاء صحي" و"التغطية الصحية الشاملة"    فقط.. لا أريد شيئاً!    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    تقنية تفك تشفير الكلام    المستشفيات بين التنظيم والوساطات    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوميات في العراق وشروط نجاح الحل الفيديرالي
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2002

لا يستطيع أحد أن ينكر بأن مشكلة القوميات في العراق ومن أهمها المشكلة الكردية تعود إلى تأسيس الدولة العراقية نفسها عام 1921 عندما دمجت قوميات عدة داخل حدود دولة واحدة من دون السماح لها بالتعبير عن إرادتها. وتتسم العلاقة بين هذه القوميات بعدم المساواة وهي بمثابة جرح ينزف حتى اليوم ما جعل العراق عرضة للابتزاز وفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية فأرغم البلد على إعطاء تنا زلات تتعلق بسيادته لم تكن ممكنة لو كان هناك نوع من المساواة بين حقوق الأقليات.
ويبدو أن العراقيين اجتازوا مرحلة التجارب المريرة وبدأوا باللجوء إلى المنطق لحل مشكلاتهم بعدما أصبحوا مهددين بالانقراض بسبب الحروب الداخلية والخارجية والهجرة الجماعية والفقر والأمراض.
ومع المشكلة القومية لا تزال تتصدر قائمة مشكلات العراق، إلا أن الحديث الآن عن حلها هو بمثابة الخطوة الأولى لبناء عراق جديد، ويكون بمثابة الجمهورية الثانية عبر التأسيس لدولة جديدة أسسها العدالة والأخوة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
وبين الحلول المطروحة لمشكلة القوميات الحل الفيديرالي الذي يعتبره البعض الحل الوحيد لهذه المشكلة. ولعل الاطلاع على تجارب الدول الفيديرالية الأخرى المتعددة القوميات يفيد في هذا الشأن. وفي هذا السياق نذكر بأن الفيديرالية التي أوجدها دستور الولايات المتحدة عام 1787 لم يكن القصد منها في الأصل حل مشكلة القوميات بل كانت حلاً وسطًا بين المؤيدين لدولة مركزية قوية ومؤيدي كونفيديرالية هشة بين الولايات المؤسسة.
والنظام الفيديرالي ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتوزيع سلطات الدولة على وحدتين أو أكثر على المستوى العمودي لتقليص فرصة استغلال السلطة وتسهيل إدارة الدولة وتطبيق الديموقراطية في صورة أوسع وإعطاء الأحزاب القومية والإقليمية الصغيرة فرصة الوصول إلى الحكم على مستوى الوحدات الصغيرة وتحقيق النمو الاقتصادي في صورة أكثر فاعلية من خلال الأخذ في الاعتبار خصوصيات المناطق المختلفة داخل الدولة الاتحادية وحاجاتها من ناحية التخطيط الاقتصادي.
وليس حل مشكلة القوميات من طريق النظام الفيديرالي إلا أحد الأهداف التي يمكن أن تتحقق في الدولة الفيديرالية المتعددة القوميات إذ أنه أثبت فشله الذريع في كثير من الدول من هذا النوع. ولعل يوغوسلافيا الاتحادية التي أسست عام 1947 من أبرز هذه الأمثلة اذ تفككت في حرب دموية وصلت حد الإبادة الجماعية للقوميات واحدة ضد الأخرى ولم تتوقف إلا بعد تدخل خارجي.
ومن لا يعرف مصير الاتحاد السوفياتي الذي دام زهاء 70 سنة ثم انقسم إلى دول عدة، فيما روسيا الفيديرالية الحالية مرشحة مرة أخرى للانقسام وتدور فيها حرب انفصالية كما هي الحال في الشيشان.
وتعاني إسبانيا شبه الفيديرالية من العنف القومي المسلح من بعض الانفصاليين كالباسك مثلاً. فيما كندا الاتحادية مهددة بانفصال إقليم كيبيك، ولا تعتبر بلجيكا الفيديرالية جنة لتعايش القوميات والصراعات مستمرة في ظل استمرار الصراع بين الفلام والفالون.
وتواجه الهند الفيديرالية مشكلات انفصالية أبرزها المشكلة الكشميرية. ولم تتمكن باكستان الفيديرالية من حل مشكلاتها القومية فانفصلت عنها باكستان الشرقية بنغلادش حاليًا في حرب دموية سنة 1971 - 1972 تدخلت فيها أيضًا القوات الهندية. ويدخل السودان الآن في مرحلة التقسيم بين الشمال والجنوب في وقت تتصدر نيجيريا الاتحادية ومشكلاتها القومية عناوين الأخبار.
صحيح أن أسباب انحلال بعض الدول الفيديرالية وانقسامها تختلف من دولة الى أخرى، ولكنها تثبت أن النظام الفيديرالي ليس هو الحل السوي لمشكلة القوميات بل إن حل مشكلات من هذا النوع يحتاج إلى أكثر من ذلك. ولكن ماذا بالنسبة إلى العراق؟
العراق يتكون من قوميات وطوائف عدة تصر على الحفاظ على خصوصياتها وهويتها المتميزة ولها الحق في العيش على قدم المساواة مع كل القوميات والطوائف الأخرى. لكن مشكلات العراق القومية في غاية التعقيد ولا تنحصر في مشكلة الأكراد والعرب فقط، فهناك التركمان والآشوريون والكلدان والأرمن وغيرهم. ولو قلّصنا حل مشكلة القوميات في العراق إلى حل المشكلة الكردية لارتكبنا خطأ لا يغتفر بحق القوميات الأخرى التي تعيش في بعض الأحيان داخل وعبر القوميتين العربية والكردية. وحتى لو اتفقت القوميتان العربية والكردية على تأسيس عراق فيديرالي على أساس إقليمين، عربي وكردي، فإن هذا الحل يخلق مشكلات جديدة ويفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل الأجنبي، من تركيا مثلاً.
لذلك فإن أي حل فيديرالي لمشكلة القوميات في العراق ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الأسس الآتية:
1 - أن تكون الفيديرالية على أساس الاتفاق والاختيار الحر بين كل القوميات والطوائف العراقية.
2 - أن يكون هناك نظام فيديرالي على أساس الأقاليم ونظام آخر على أساس القوميات لكي لا تحرم القوميات التي ليس لها إقليم جغرافي محدد من حقوقها في المساواة.
3 - كل إقليم وجماعة فيديرالية صغيرة وكبيرة يجب أن تكون لها الحقوق نفسها كحكومة وبرلمان خاص بها وكذلك حق الفيتو ضد أي قرار اتحادي يمس حقوق هذه الجماعات.
4 - أن يكون لكل قومية وكل إقليم الحق في إرسال عدد متساو من النواب إلى المجلس الفيديرالي.
5 - أن تكون المراكز العليا على المستوى الاتحادي كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مثلاً مفتوحة للجميع ينتخبهم المواطنون في انتخابات حرة ومباشرة طبقًا للمعايير الدولية.
6 - أن تحصل كل قومية على جزء من واردات العراق تتناسب مع عددها لانفاقها على الشؤون الثقافية والاجتماعية مثلاً.
هذه النقاط ليست إلا أساسًا للمناقشة ولكي تمثل الحد الأدنى الذي تتحقق من خلاله العدالة والمساواة بين الشعوب. وأي حل آخر على حساب القوميات الصغيرة سيكون مصيره الفشل والمزيد من إراقة الدم.
ويبقى التعلم من تجارب الدول الأخرى المتعددة القومية بأن أهم ضمان للتعايش السلمي بين القوميات في بلد ما وجود النية عند هذه القوميات للعيش معًا، إذ من دون هذه النية يكون مصير أفضل الحلول الفشل.
* باحث قانوني كردي مقيم في النمسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.