عراق المستقبل أساسه إقليمان عربي وكردي تجمعهما حكومة فيدرالية إتحادية. لكن المتحفظين على الفيديرالية يدعون الاكراد الى تأجيل طرحها ريثما تنجلي الامور وبعد ان يتم اجراء استفتاء عام للشعب العراقي على الفيديرالية، وهذه دعوة غريبة اقل ما يقال عنها انها مصادرة لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره كما يريد لا كما يراد له، فالفيديرالية التي تبناها المجلس الوطني لكردستان العراق البرلمان في 4/10/1992 هي قرار لا رجعة عنه. فالبرلمان الاقليمي المنتخب من الشعب الكردي هو الذي اختار الفيدرالية. وإذ يطرح الاكراد الفيدرالية يؤكدون حرصهم على العراق وتمسكهم بوحدته، فالنظام الفيديرالي هو بالتعريف نظام اتحادي، والتشكيك في الطرح الفيديرالي الكردي لا يخدم الوحدة والمصلحة الوطنيتين العراقيتين، لا بل ان معارضة خيار اكراد العراق في التعايش مع اخوانهم عرب العراق في اطار فيديرالي يعني مباشرة دفع الاكراد الى ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم وفق اطر اخرى. والفيديرالية هي من أرقى وأنجع نماذج الحكم والادارة في المجتمعات المتعددة الاقوام وفي الانظمة السياسية الحداثية، فالمانيا مثلاً وهي دولة أحادية القومية تعتمد النظام الفيديرالي لكفايته ونجاعته. والفيدرالية والديموقراطية تكمل احداهما الاخرى، اذ لا يمكن النظام الفيديرالي الاستمرار في غياب الديموقراطية التي هي الضمانة لرسوخ وديمومة النظام الفيديرالي، وبكلمة اخرى فالفيديرالية هي الوصفة الديموقراطية لحل المسألة القومية في الدول والمجتمعات المتعددة القوميات والاثنيات، وخير شاهد على فشل وعقم التجارب الفيديرالية اللاديموقراطية هو المصير المأسوي الذي آلت اليه الفيديراليات الشمولية في الاتحادين السابقين غير المأسوف عليهما السوفياتي واليوغوسلافي، وفي المقابل فإن دولة كالهند تضم مئات الاقوام والاديان واللغات والثقافات والتي تعد اكبر ديموقراطية في العالم هي في الوقت عينه اكبر فيديرالية في العالم. ولو افترضنا جدلاً تخلي الهند عن خيارها الديموقراطي الفيديرالي فستكون النتائج كارثية، كما ان الولاياتالمتحدة الاميركية وهي القوة العظمى الوحيدة في عالمنا اليوم وعلى رغم كل المآخذ والتحفظات عليها لا سيما على سياساتها المنحازة والمحابية لاسرائيل في عدوانها واحتلالها الاراضي العربية المحتلة، الا انها تبقى نموذجاً في التطور والازدهار والرخاء. نقول ان القوة العظمى الوحيدة في العالم الولاياتالمتحدة هي في الواقع دولة فيديرالية اتحادية، فالفيدرالية اذاً مصدر قوة وتوحيد وليست كما يروج البعض مشروع تقسيم وتفتيت، وعليه فالفيديرالية التي يطرحها الاكراد هي تعزيز لدعائم الديموقراطية والتعددية والمؤسساتية في العراق وهي تكريس للوحدة الطوعية الاختيارية القائمة على التكافؤ والتراضي بين الشعبين الشقيقين العربي والكردي، بما يضمن حقوقهما باعتبارهما القوميتين الرئيسيتين في العراق، وبما يضمن حقوق الاقليات القومية والدينية والمذهبية كافة. أفلا يحق للعراقيين ان ينعموا بذلك بعد السنوات العجاف في ظل الدكتاتورية؟ كاتب كردي سوري.