شهد علم "الجودزة"، أي "تحديد المواقع الجغرافية من الجو"، تطوراً مهماً في السنوات الأخيرة، مع استخدام نظام المعلوماتية ودخول الاقمار الاصطناعية. ولأن مجالات عدة تقوم وتتطور على اساس هذا العلم، مثل الطبوغرافيا والهندسة المدنية وتنظيم المدن، كانت "الجودزة" مدار بحث ورشة العمل التي نظمها المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان بالتعاون مع السفارة الفرنسية في بيروت والجامعة اللبنانية، تحت عنوان: "مرجعية جيوديزية جديدة: ضرورة من اجل تنظيم اراضي لبنان". ابرز ما علّق عليه المؤتمرون اهمية في تطوير عملهم في المساحة والطبوغرافيا، وقد تردد الحديث عنه في اكثر من محاضرة، هو نظام تحديد المواقع العالم Global Positioning System GPS. يتألف نظام GPS من 24 قمراً اصطناعياً تدور حول الأرض، وتخول اي شخص يحمل جهازاً لاقطاً من هذا النظام تحديد موقعه في اي بلد كان. وذلك من خلال تحديد الجهاز لإحداثيات الموقع لجهة الطول والعرض والارتفاع عن سطح البحر عبر الاتصال بأربعة من هذه الاقمار على الأقل، ومن ثم مقارنتها بخريطة تعتمد نظام الاحداثيات نفسه، وتظهر الموقع فعلياً على الارض. وخضعت الاجهزة اللاقطة Receivers من هذا النظام لتطورات عدة وأدخلت إليها خريطة الاحداثيات، ليحدد الموقع إلكترونياً ومباشرة فور الاتصال بالأقمار. وكذلك تحديد الوقت الذي ينتقل من خلاله من نقطة الى اخرى وسرعة التنقل والمعدل الوسطي لها، اضافة الى تحديد المسافة التي قطعها وما الى ذلك. وبما ان الجهاز اللاقط له ذاكرة وقدرة على استيعاب المعلومات، يمكن وصله بأي جهاز للكومبيوتر حيث الذاكرة اوسع والقدرة على تحليل المعلومات وتحديثها اهم. ويفيد ذلك في تحديث الخرائط او تبديلها من جهة وزيادة دقة الجهاز اللاقط. ما مدى دقة GPS يعتبر نظام GPS من أدق الأنظمة في تحديد المواقع. فالأجهزة التجارية منه بإمكانها تحديد موقع معيّن ضمن 9 الى 60 متراً، في حين تستطيع الأجهزة المتطورة من هذا النظام تحديد موقع ما ضمن بضعة سنتيمترات، ويكفل بذلك عدم الضياع لا في مكان على الارض ولا في الجو ولا في البحر. وهي تعمل من اي بقعة على الارض وفي اي ظرف جوي صيفاً او شتاء غير انها لا تعمل إلا في الخارج وبعيداً من أي عازل مثل الجبال او المباني الضخمة او حتى شجرة ذات جذوع كثيفة ... علماً ان احدثها صمم لتخطي الكثير من مثل هذه العقبات. وإذا كانت اهداف استعمال هذا النظام متنوعة في الجودزة والقيادة والملاحة الجوية والبحرية والاعمال العسكرية... كذلك هي اسعار الاجهزة اللاقطة حيث تبدأ في اميركا من نحو مئة دولار لتصل الى نحو 30 ألفاً. يذكر ان هذا النظام من تصميم اميركي، وقد اطلق اول قمر منه عام 1978م قبل ان يتم تحديثه وإطلاق اول قمر اصطناعي من الجيل الثاني منه ويسمى BlockII عام 1989. ولم يكن استخدام هذا النظام مسموحاً قبل سنة 1995 إلا من القوات العسكرية الاميركية. لذلك تمّت برمجة بعض الاخطاء الحسابية من ضمنه، منعاً لاستخدامه من العموم. وقد استعمل بكثافة خلال حرب عاصفة الصحراء سنة 1990، خصوصاً لاطلاق صواريخ توماهوك. ولم تصحح الاخطاء الحسابية الا في ايار مايو سنة 2000م. تدور الاقمار الاصطناعية الاربعة والعشرون في مدارات متوسطة، على علو 20 ألف كيلومتر عن سطح الأرض. ويزن كل قمر من هذه الاقمار نحو 787 كيلوغراماً ويتمم دورة حول الأرض كل 12 ساعة. اما النظام بمجمله، فقد كلف الاميركيين لبنائه وإطلاقه 12 بليون دولار. والجدير ذكره ان في مقابل نظام GPS الاميركي صمم الروسيون نظام Glonass والأوروبيون نظام Galileo، غير ان هذا الاخير مراقب من سلطات مدنية، كما انه يخضع الى تطوير من الاتحاد الاوروبي EU- European Union ووكالة الفضاء الأوروبية.