سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رسالة مفتوحة الى "المجموعة العالمية لحل النزاعات" رداً على "اللعبة الأخيرة في الشرق الأوسط : التوصل الى تسوية عربية - اسرائيلية شاملة". حق العودة شرط أساسي للتسوية فلا سلام من دون عدالة
أصحاب المعالي مارتي اهتيساري، رئيس اللجنة الرئيس السابق لفنلندا وغاريث ايفانز، المدير التنفيذي قرأنا باهتمام تقريركم 60 صفحة عن "التوصل الى تسوية عربية - اسرائيلية شاملة"، كما قرأنا مقالة الرئيس اهتيساري في "الحياة" 16 تموز - يوليو، ثم تقرير الصحيفة في اليوم التالي عن مؤتمركم الصحافي المشترك. اننا نقدّر مساعي لجنتكم من أجل التوصل الى حل للصراع في فلسطين الذي تسبب في مآس كثيرة، عانى معظمها الشعب الأصلي للبلاد. يتكون مجلس ادارة لجنتكم من 54 شخصية دولية مرموقة. ورئيسها اهتيساري رجل دولة على مستوى عالمي، وزادت مكانته العالمية جهوده على رأس فريق الأممالمتحدة للتحقيق في المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في جنين، على رغم نجاح تل ابيب في احباط عمل الفريق. ومع ان مجلس ادارة اللجنة يضم عشرة أعضاء يؤيدون اسرائيل بوضوح فانه يضم فقط اثنين من العرب من غير الفلسطينيين. ومع ذلك نحن على ثقة بأن تقريركم عن فلسطين/ اسرائيل يسعى الى الموضوعية وستتوفر له الصدقية التي يستحق. يتطرق تقريركم الى قضايا مهمة تستوجب الرد، لكن ردنا سيقتصر هنا على واحدة فقط منها: قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومع تقديرنا الكبير لدوافع تقريركم والمشاعر التي يعبر عنها، نجد أنه يغفل جوهر هذه المشكلة ويتعامل معها متوافقاً مع الموقف الذي تفضله اسرائيل. من هنا نستبعد أن تقود الاقتراحات التي أوردها التقرير الى النتائج المطلوبة. الواقع الذي يعترف به الاسرائيليون أنفسهم هو أن قضية اللاجئين تشكل حجر الزاوية في الصراع، ولا سبيل الى السلام في المنطقة من دون حلّها. والسبب واضح تماماً: ففي 1948 - عام النكبة - قامت أقلية أجنبية مهاجرة كانت تسيطر آنذاك، برعاية بريطانيا، على ستة في المئة فقط من فلسطين بطرد سكان 531 مدينة وبلدة وقرية فلسطينية، كانوا يشكلون الغالبية الوطنية في ذلك البلد. وهؤلاء هم لاجئو اليوم. ويمكن تقديم توضيح بسيط لذلك. ف88 في المئة من الفلسطينيين ما زالوا يقيمون ضمن أراضي "فلسطين الانتداب" أو في حزام أرضي ضيق لا يزيد عرضه على مئة ميل حولها، في كل من الأردن وسورية ولبنان، حيث المناطق الخمس التي تديرها وكالة الغوث. ويبلغ مجموع هؤلاء اللاجئين 5.2 مليون شخص، ضمنهم 3.9 مليون لاجىء مسجل في الوكالة. ولو رفض واحد في المئة منهم التنازل عن حق العودة فإن ذلك يعني وجود عشرة آلاف من اللاجئين الغاضبين في كل من المناطق الخمس، يطالبون بحقوقهم بكل الوسائل المتاحة - وهو وضع لا يمكن أي طرف في الشرق الأوسط تجاهله. مع ذلك فإن تقرير "المجموعة العالمية لحل النزاعات" يغفل حق العودة، ويبدو انه لا يتناول سوى نتائج حرب 1967. واذ ندرك أن التقرير بمثابة اعلان سياسي وليس تطبيقاً للقانون الدولي، فإن هذا الاغفال يشكل نقصاً بالغ الخطورة. ان حق العودة ليس اختراعاً من الطرف الفلسطيني بل هو مكرّس في القانون الدولي الذي يشكل القرار 194 تطبيقا له. وأكدت الأسرة الدولية في الأممالمتحدة هذا القرار 135 مرّة - وهو أمر سابقة في تاريخ المنظمة الدولية - ما يبرز اصرار الارادة الدولية على هذا الموقف، وانها لا تعتبر القرار 194 مجرد توصية. وتنص "المذكرة الايضاحية" للقرار على أن العودة تعني عودة اللاجئين الى "المساكن والأرض" التي طردوا منها، بصرف النظر عن السيادة التي تقع تحتها تلك "المساكن والأرض". وهكذا، فإن تغيير عنوان اللاجئ من مخيم الى آخر، حتى لو كان الثاني في الضفة الغربية، لا يشكل "عودة" بالمعنى الذي ينص عليه القرار. إن حق العودة يستند الى حرمة الملكية الفردية التي لا يمكن ان ينال منها الاحتلال أو السيادة أو مرور الزمن. وليس من الواقعية سياسيا، أو المشروع قانونياً، أن نتوقع من الفلسطينيين أو نطلب منهم التنازل عن ممتلكاتهم المنهوبة وأراضيهم المصادرة في 531 مدينة وبلدة وقرية. ولا يمكن ان يقتصر الحل على مسألة تعويض أو منحة، وبالتأكيد ليس في الشكل المقترح. بل أن لجميع اللاجئين، سواء اختاروا العودة أم لا، الحق في العودة والتعويض معاً، وهو ما ينص عليه القرار 194. والذين لا يختارون العودة لهم الحق في تعويض اضافي في مقابل ممتلكاتهم الثابتة التي اضطروا الى تركها، فيما تتمتع البقية ليس بحق العودة الى مواطنها فقط بل حق استعادة ممتلكاتها. كما ان هناك، بحسب مبادئ دولية طبقت تحت رعاية الأممالمتحدة في البوسنة والكويت، أو بالاتفاق الثنائي كما في حال ضحايا النازية، الحق في التعويض عن الخسائر والأضرار المادية والنفسية، وضمن ذلك الخسائر في المداخيل، وبسبب جرائم الحرب والجرائم في حق الانسانية وحق السلام. وينص القرار 194 على أن عبء التعويض يقع على "الحكومات و/ أو السلطات المسؤولة" بحسب قوانين التعويض المتعارف عليها. هذه الأطراف المسؤولة هي الاسرائيليون الذين استفادوا من النهب والمصادرة. كيف يمكن اذاً حل القضية عن طريق "صندوق دولي" بقيمة تافهة يقدر بعضهم انها لا تتجاوز 2 في المئة من القيمة الحقيقية، فيما تحصل اسرائيل في المقابل على الملكية المطلقة لكل أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم؟ ويمسخ هذا الاقتراح أي مفهوم للعدالة. ان "العودة" تبقى الحل الأول والأساسي لمشكلة اللاجئين. ولا يمكن للقرن الواحد والعشرين الذي يشهد صعود حقوق الانسان والتداول الالكتروني المباشر للحقائق والاخبار والآراء، أن يسمح بادامة عملية التطهير العرقي التي ضربت الفلسطينيين في 1948 وتستمر الى اليوم. ولا يمكن مكافأة التطهير العرقي عن طريق تشريعه واجبار ضحاياه على دفع الكلفة. إن الفلسطينيين ضمن فلسطين الانتداب يشكلون 48 في المئة من السكان مقابل 52 في المئة من اليهود النسبتان ستكونان العكس اذا وضعنا في الحساب عدد المهاجرين الروس من غير اليهود. اضافة الى ذلك فإن عدد الفلسطينيين سيتجاوز اليهود خلال 40 سنة. ويعني هذا ان من المستحيل على المدى البعيد الحفاظ على غالبية يهودية، على الأقل ليس في الأراضي التي تسيطر عليها اسرائيل. من هنا فإن هذه الحجة لا تتجاوز ان تكون لعبة موقتة، المقصود منها رفض حق العودة أو تأخيره. المفارقة ان نلاحظ، استنادا الى دراسات جادة، أن 78 في المئة من اليهود في اسرائيل يعيشون على 15 في المئة من المساحة، وأن 19 في المئة يعيشون في مدن كانت فلسطينية أصلا. ويترك هذا ثلاثة في المئة أي 160 ألف يهودي ريفي يسيطرون على أراضي الفلسطينيين المطرودين. وتكتسب المفارقة حدة مضاعفة عندما نرى ان مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان وغزة يساوي مجموع المهاجرين الروس الذين استوعبتهم اسرائيل في التسعينات. هكذا نرى انه ليس هناك من سبب قانوني أو ديموغرافي أو جغرافي لرفض اسرائيل حق العودة، أو استمرار الأسرة الدولية في الاحجام عن واجبها في تطبيق القانون الدولي. العائق الوحيد هو القوانين الاسرائيلية العنصرية ال24 التي تميز ضد الغالبية السكانية في فلسطين، وهي القوانين العنصرية الوحيدة المعمول بها في العالم، بعد زوال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. بناء على ما تقدم نعرض اقتراحنا للخطة المطلوبة للتحرك نحو سلام عادل ودائم: 1 الغاء القوانين العنصرية في اسرائيل كما حصل في يوغوسلافيا. والخطوة الأولى هنا تتمثل بتعديل "قانون العودة" الاسرائيلي العنصري 1950 كي يشمل "سكان البلاد بالمواطنة والعادة قبل 1948". 2 هناك بالفعل آلية قائمة لتطبيق عودة اللاجئين الفلسطيين وتأهيلهم. إذ شكلت الأممالمتحدة "هيئة التوفيق في فلسطين"، ولا تزال مكاتبها موجودة في مقر المنظمة الدولية. يجب اعادة تنشيط "الهيئة" مع تغيير تركيبة الدول الأعضاء. وأكملت هذه الهيئة في 1964 سجلا ب453 ألف مالك أرض فلسطيني. وفي الفترة الأخيرة قامت "بعثة الأممالمتحدة في كوسوفو" بعمل مشابه جزئيا ل"هيئة التوفيق". في المقابل فإن اقتراح تشكيل "هيئة دولية" لتطبيق "اتفاق ثنائي" ينال من القوانين الدولية ذات العلاقة. 3 على اسرائيل دفع التعويضات عن كل الخسائر والأضرار وجرائم الحرب. أما الممتلكات الثابتة فيجب اعادتها. وعلى اسرائيل ان تخصص لهذا الغرض عشرة في المئة من مجمل ناتجها الوطني مقداره الآن 120 بليون دولار ويتوقع أن يصل الى 220 بليوناً عام 2020. ولا تشكل النسبة المطلوبة سوى جزء صغير من انفاقها على التسلح، بما في ذلك أسلحة دمار شامل، والذي لن يكون ضرورياً مع حلول السلام. 4 على "وكالة الغوث" الاستمرار في عملها وتوسيعه ليشمل اعادة تأهيل اللاجئين العائدين، ولتحل بذلك محل "برامج التطوير" الدولية. 5 تشكيل "هيئة أراضي فلسطين" لحراسة الممتلكات الفلسطينية هناك منظمة جنينية لهذا الغرض، على ان تتسلم، من خلال عقد شمولي واحد من "دائرة اسرائيل للأراضي"، ممتلكات اللاجئين. ومن حسن الحظ ان كل ممتلكاتهم تديره هيئة اسرائيلية واحدة، وليست هناك مطالبات فردية من أي يهودي. تم تطبيق هذا الأسلوب في اعادة الممتلكات في عدد من الأوضاع المشابهة، مثلا، في البوسنة هيئة المطالبات بالممتلكات العقارية وطاجكستان الهيئة المركزية للتنمية للاجئين والمهجرين وغواتيمالا الهيئات الدائمة وبوتان رابطة ناشطي حقوق الانسان. 6 على مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار "الاتحاد من أجل السلام" اصدار قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق لتطبيق القرار 194 مع فقرة اضافية تضمن حماية اللاجئين جسديا وقانونيا من التمييز والاضطهاد. لا شك في ان اسرائيل لن تقبل طوعا خطوات كهذه، ما دامت البلد الوحيد في العالم الذي لا يطاوله القانون الدولي، وما دامت تتمتع بالرعاية والدعم المطلقين من بعض الدول، خصوصا الولاياتالمتحدة. ان لجنتنا تدرك تماماً بمطالب اللاجئين ومشاعرهم، اذ نعمل بالاشتراك مع لجان للاجئين في كل المخيمات ال59 تقريباً، وفي العواصم العربية والعديد من المدن الأوروبية والأميركية حيث يقيم لاجئون فلسطينيون. لذلك يمكننا ان نقول بثقة إن المواقف التي تعبر عنها هذه الرسالة تعكس مواقف الغالبية الساحقة من اللاجئين. * منسق "اللجنة الراعية لحق العودة".