مهرجان "صوت المتوسط" الذي يعقد كل عام في مدينة لوديف الفرنسية يثير سجالاً كونه يجمع شعراء من بلدان المتوسط. وإن كان من عادة الشعراء العرب ان يطغوا على أجواء المهرجان فإن حضور شاعر او شاعرين من اسرائيل يحدث نوعاً من الارباك السياسي، علماً ان معظم الشعراء العرب مقتنعون بأن حضورهم ضروري في مثل هذه المهرجانات العالمية ولو ضمّت شعراء اسرائيليين. هنا يرد الشاعر نوري الجراح على ما نشرت "الحياة" عن المهرجان. نشرت "الحياة" يوم 17 الشهر الجاري مقالة تحت عنوان "مهرجان لوديف يسعى الى الحوار الشعري - 18 شاعراً عربياً يشاركون، واسرائيلية تعلن حبّها للعرب". والمقالة الموقعة باسم صالح دياب، وقفت على بعض ما جرى وما لم يجر! في المهرجان، وتجاهلت بعض ما جرى، وبدلت في صورة بعضه الآخر، لأسباب تخص صاحب المقالة. وبصفتي أحد المدعوين العرب المشاركين في المهرجان أجدني، مضطراً الى الوقوف عند بعض النقاط رفعاً للالتباس، من دون أن أتوقف عند "آراء" و"انطباعات" كاتب المقالة الذي تمكّن بجرَّات من قلمه أن يصف شعر كل من الشعراء الذين توقف عند قصائدهم من العرب وغيرهم، من دون حيرة أو تردد أو تساؤل مما يعوز متلقي الشعر مهما ملكوا من مواهب القراءة! أذهب أولاً الى عنوان المقالة ولا أدري من هو واضعه، الكاتب أم محرر الصفحة؟. هنا يجري التركيز على مشاركة شعراء عرب واسرائيليين في المهرجان. وهو، صحافياً، جائز، حيث ثمة إشكال في مضمون الخبر. والإثارة الصحافية تقتضي ذلك أحياناً. لكن من أين جاء كاتب المقالة بإعلان الشاعرة الإسرائيلية عن حبّها للعرب؟ هل أشهرته في صحافة لوديف الفرنسية أم همست له به في لقاء خاص؟ وإذا كان الشعراء العرب، وأنا منهم، اتفقوا وتصرفوا منذ البداية على ألا يحصل أي لقاء بينهم وبين الشاعرين الاسرائيليين المشاركين، بل اتفقنا، منذ اليوم الأول من أيام المهرجان العشرة، على مقاطعتهما وعزلهما وتحويلهما الى شخصين منبوذين، وهو ما تم فعلاً، فمتى جرى "الحوار الشعري" الذي يوحي به النصف الأول من عنوان المقالة؟ عندما وصلت الى مطار مرسيليا قادماً من لندن كان أول شخص التقيت به في المطار هو الشاعر نزيه أبو عفش. قضى ساعتين في انتظار طائرتي ليحملنا معاً سائقنا الفرنسي الى مدينة لوديف الواقعة على بعد ساعتين ونصف الساعة من مرسيليا. شربنا قهوة في المطار، وسألتُ نزيه: سمعت في لندن ان هناك مشاركين اسرائيليين في المهرجان، هل هذا صحيح؟ أجاب نزيه: نعم. قلت: وما رأيك بالأمر؟ قال: هل ينبغي على العرب أن يلغوا وجودهم الشعري والأدبي في العالم كلما وجد اسرائيليون. كل ما علينا ان نفعله هو مقاطعتهم، ومحاولة الحصول على أكبر قدر من التعاطف مع قضيتنا. اتفقنا في الرأي، وأضفت: هذا لا يكفي، يجب ان نفعل ما هو أكثر من المقاطعة. هذا المهرجان مناسبة مهمة وعلينا أن نصوغ بياناً من أجل فلسطين، ونحاول الحصول على أكبر عدد من تواقيع الشعراء عليه. وفي لوديف، ومنذ اليوم الأول تحرّكنا في هذا الاتجاه. ضمت المجموعة الأولى من الشعراء العرب التي اجتمعت وصاغت البيان كلاً من الشاعر العراقي كاظم جهاد، والشاعرين الفلسطينيين خيري منصور وسامر أبو هواش، وكاتب هذه السطور. صيغ البيان بالعربية، وترجمه الى الفرنسية كاظم جهاد. واتفقنا على أن نحصل على تواقيع كل من يقبل من الشعراء بتوقيع البيان، على أن نستثني الشاعرين الاسرائيليين من التوقيع، لأننا نعتبر مجرد طلب ذلك اتصالاً بهم وحواراً معهم، وهذا غير وارد. في اليوم التالي حملت الأسماء المذكورة البيان وطافت به على الشعراء المشاركين، ومع نهاية المهرجان كان البيان يحمل تواقيع 41 شاعراً وشاعرة من أصل 80 من الشعراء المشاركين، من فرنساوالبرتغال وايطاليا وقبرص وهاييتي ومالطة واليونان واسبانيا، وغيرها. وجرى توزيع البيان على الصحافة العربية والأجنبية وحمل عنوان: "بيان من أجل فلسطين"، قرأته لاحقاً منشوراً في عدد من الصحف العربية. ولا علم لي إن كان نشر في فرنسا، فلست مطلعاً على صحافتها. الغريب ان صالح دياب، الذي تحدث عن حب الشاعرة الاسرائيلية للعرب، لم يشر من قريب أو بعيد الى هذا البيان الذي كان على علم به، بل ووقع عليه. وفي نظري ان البيان ربما كان أهم ما خرج به الشعراء من لوديف في برهة هي الأكثر دموية في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي، والتي يتعرض معها الشعب الفلسطيني الى أبشع هجمة أميركية - اسرائيلية بهدف تصفية قضيته، في ظل مناخ دولي أميل الى الصمت على الجريمة. وكان من دواعي إسراعنا في صوغ البيان ورود خبر وقوع مجزرة غزة خلال لقائنا. لماذا أعلّق على مقالة صالح دياب، ولماذا أسرد وقائع عن سلوك الشعراء العرب من البدهي أن تحدث كما حدثت، وما أنا في حاجة لا الى هذه ولا إلى تلك. الواقع انني تلقيت يوم 27 آب أغسطس الجاري عبر الفاكس قصاصة منشورة في اليوم نفسه في دورية أردنية هي "الوحدة" وفيها خبر يتضمن تعليقاً يحمل العنوان الآتي: "شعراء عرب وصهاينة في مهرجان المتوسط". والخبر المريب المطول منسوب الى صحيفة "الحياة" ويتهم هذا الخبر المجتزأ من مقالة دياب في "الحياة" الشعراء العرب المشاركين بالتطبيع مع اسرائيل ويطالب بمعاقبتهم. والواقع ان الصيغة الملتبسة حتى لا أقول غير الأمينة لمقالة دياب التي استند اليها صائغ الخبر الأردني عكست نفسها على هذا الصائغ، فهي تستعرض شعر الشعراء العرب وغيرهم بالنبرة نفسها، وعندما تصل الى شعر الشاعرين الإسرائيليين تقرأ شعرهما وتصفه وتستعرض مكونات هذا الشعر. وهو تصرف لا ألومه عليه، فهو حرّ، لكنه يتنافى مع تصرف مقاطعة الاسرائيليين الذي التزمته شخصياً والتزمه الشعراء العرب في يوميات لوديف. لن أرد على الخبر المنشور في الصحيفة الأردنية لأنه ينتمي إلى لغة التحريض والاغتيال المعنوي الشائعة كثيراً على مفصل الصراع بين السياسي والثقافي، وأرجو ألا يعتبر السيد صالح دياب مقالتي رداً عليه... فليس عنده ما أناقشه به... لكنني سأكتفي بالإشارة السريعة إلى ما أغفلته مقالته من الوقائع، خصوصاً ما تسبب به وجود الشعراء العرب، أو بعضهم على الأقل، من دعم معنوي كبير لقضية فلسطين، وهو ما لم ترد أي إشارة إليه في مقالة دياب: 1 - أقيمت ندوة مخصصة لشاعرين فلسطينيين تحت عنوان "معنى أن تكون شاعراً فلسطينياً" تكلم فيها الشاعران خيري منصور وسامر أبو هواش، وحضرها جمع غفير من المستمعين. في هذه الندوة تمكن الشاعران من عرض قضية الفلسطيني اللاجئ المطرود من بيته ووطنه، وتركت الكلمات أثراً كبيراً في الحضور، ودارت مناقشة بين المحاضرين والناس فُتح معها الجرح الفلسطيني على أوسعه، ومرت خلالها جل الصور المتعلقة بالمأساة الفلسطينية، من مفاتيح البيوت المسروقة إلى مجزرة غزة مروراً بمذابح صبرا وشاتيلا وجنين وتدمير بيروت وحرق مخيماتها، وذلك من خلال الوقائع والأمثلة الشخصية المتعلقة بالسيرة الذاتية للشاعرين اللذين نالا تعاطف الحضور وتصفيقاً كبيراً لهما، وإدانة للاحتلال الإسرائيلي. وقد صمت الشاعران دقيقة على روح شاعر فلسطيني، وقال أحدهما: العام الماضي كان هنا مكاني على هذا المنبر شاعر فلسطيني يرقد اليوم في القبر هو حسين البرغوثي. إنه شاعر قتله الاحتلال عندما حاصر مدينته وقصفها بطائرات ال "إف 16" وأقفل منافذها، ومنع عنه الدواء. فمات. 2 - قام الشاعران المذكوران، وكاتب هذه السطور بتلبية دعوة اللجنة المدافعة عن جوزيه بوفيه نزيل السجن حالياً في مونبلييه بسبب موقفه المضاد للعولمة، لإلقاء كلمات وقصائد في يوم خصص للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وبوفيه هو رئيس نقابة المزارعين الفرنسيين المعادي للعولمة الأميركية وإسرائيل، وكان زار رام الله للتضامن مع القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في بداية الحصار، وطردته قوات الاحتلال من فلسطينالمحتلة عبر مطار تل أبيب. 3 - إصدار بيان تضامني دولي مع الشعب الفلسطيني وقعه 41 شاعراً مشاركاً في المهرجان حمل عنوان "بيان من أجل فلسطين". وهو مبادرة يتخذها الشعراء العرب للمرة الأولى في مهرجان لوديف، ويتضامن معهم شعراء من العالم. أخيراً، وعن نفسي، فإنني لست عضواً في أي من اتحادات الكتاب العربية ولا يشرّفني أن أكون ولا أنتمي إلى أي من المؤسسات الثقافية الرسمية العربية التي تعاقب أعضاءها بسبب من مسلك يتناقض مع لوائحها. انتميت ذات مرّة إلى اتحاد كتاب فلسطين - فرع لبنان بصفته اتحاداً لكتاب في ثورة، ثم جاء الاجتياح الاسرائيلي سنة 1982 وسلب مني هذا الاتحاد. وما كتبت ما كتبتُ هنا إلا بدافع الإخبار عن حدثٍ ورفعاً للالتباس. على هامش المؤتمر عندما توجهت الشاعرة الاسرائيلية لتفتح حديثاً مع الشاعر الفلسطيني خيري منصور، امتنع الشاعر عن الاستجابة، وقال لها: اذهبي إلى فلسطين التي اغتصبها قومك المهاجرون وطردوني وعائلتي منها... اذهبي واعتذري عن ذلك للباقين من شعبي في وطنه. بيننا بحر من الدم ولا كلام بيننا. بيان من أجل فلسطين نحن الشعراء والفنانين المشاركين في مهرجان أصوات المتوسط في مدينة لوديف، جنوب فرنسا نعرب عن قلقنا العميق إزاء الأوضاع المأسوية التي يعيشها الإنسان على كوكبنا بسبب الحروب والمجاعات وانتهاك كرامة الإنسان وحقوقه، بفعل الهيمنة التي تمارسها القوة الأكبر على العالم، وسيكون من نافل القول التذكير بأن مواقف المبدعين والمثقفين مرتبطة جذرياً بالدفاع عن حقوق الإنسان وفي مقدمها حقه في أرض وعمل ودولة، إضافة إلى حقه في التعبير وتقرير المصير وحرية التنقل. وانطلاقاً من هذه المبادئ نعبر نحن الشعراء والفنانين والمثقفين المشاركين في هذا المهرجان عن صدمة عميقة إزاء كل الآلام والمآسي المتواصلة التي يلحقها الاحتلال الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني، المجزأ إلى لاجئين ونازحين وأسرى في ديارهم. من مدينة لوديف الصديقة، نود أن نعرب عن تقديرنا العميق لمواقف الشعوب الأوروبية بخاصة الفرنسيين والبلجيكيين لدعمهم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال ومن أجل حياة آمنة، ونعلن عن تضامن غير محدود مع شعراء فلسطين وكتابها وفنانيها الذين قدموا الصورة الأبهى لنداء الحياة. نؤكد أخيراً حق الشعب الفلسطيني وشعوب العالم في الحياة بسلام عادل، كما نطالب إسرائيل باحترام جميع القرارات الصادرة عن الأممالمتحدة المتعلقة بفلسطين. أيها الشعراء والكتاب والفنانون، أضيفوا صوتكم إلى صوت الذين يدافعون عن الحياة والحرية. لوديف - فرنسا - 25/7/2002. موقعون ومن أبرز الموقعين على البيان: دينيس بوشيه كندا، فيليب بك فرنسا، جان شارل دوبول فرنسا، محمد بنيس المغرب، نزيه أبو عفش سورية، خيري منصور فلسطين، فضيلة الشابي تونس، سامر أبو هواش فلسطين، جان لوك بولكييه فرنسا، نوري الجراح سورية، جويل دي روزيرس هاييتي، جورج درانو فرنسا، مارلين صليبا مالطا، جوليان بلين فرنسا، كاترين فارحي فرنسا، حسن الوزاني المغرب، أنزو منريللي إيطاليا، نور الدين مزوار الجزائر، صلاح الدين حداد تونس، جان مونو فرنسا، علي صدقي عبدالقادر ليبيا، ديمتريس شولياركيس كريت، عابد عازارية سورية، ليونيل راي فرنسا، سافو فرنسا، اسكندر حبش لبنان، بول غودار فرنسا، جورج درانو فرنسا، محمد متولي مصر، عاشور فني الجزائر، المهدي أخريف المغرب، كاظم جهاد العراق، صالح دياب سورية، أيفكوس كالوسيوس قبرص، كوسميرو دوبريتو البرتغال، محمود قرني مصر، عاشور التويبي ليبيا، ضياء حيدر لبنان، أريان درايفوس فرنسا، دييغو دونشيل اسبانيا، مويزيو كوكي إيطاليا.