بعد غياب دام سنوات طويلة عادت نورا رحال المطربة السورية بحلة جديدة لتنطلق من لبنان المصدر الأساس لوصولها كمطربة الى العالم العربي. غنّت نورا القصيدة والأغنية الكلاسيكية ثم أدت الأغنية العصرية الشعبية لتماشي ذوق الجيل الجديد. وهي تعتبر ان الابداع صار عملة نادرة جداً في غياب المنافسة بين المطربين وسيطرة الأغنية التجارية، وتحمل المسؤولية للملحنين. "الحياة" زارتها في منزلها وأجرت معها هذا الحوار: لماذا اخترت الاستقرار في لبنان والانطلاق منه مجدداً؟ - والدي من أصل لبناني. وأنا احمل الجنسيتين اللبنانية والسورية. ومنذ حوالى ست سنوات انتقلت للإقامة في لبنان، بعدما لفتتني اسماء كثيرة لملحنين وشعراء لبنانيين، فأحببت ان يتبنّى مشروعي الغنائي أشخاص محترفون لديهم الخبرة واستفيد منهم لكي اعطي اكثر وأجمل، وأحببت لبنان فجعلته مقري بعد زواجي. وانطلاقتي الفنية اعلامياً لم تكن من لبنان فقط، فعند اصدار الشريط السابق "من هي" روّجت له من خلال حملة اعلانية ضخمة في كل البلدان العربية. هل تجدين ان الساحة الفنية اللبنانية أسهل من غيرها للوصول الى البلاد العربية؟ - ليست المسألة أسهل أم أصعب، بل ان بيروت "عليها العين" لأن الفضائيات منتشرة فيها بكثرة، وفيها نسبة مهمة من الاذاعات، كما ان المجلات الفنية كثيرة، وبالطبع للبنان ومصر ايضاً تأثيرهما في الوطن العربي، فإذا أراد الفنان ان يطوّر مسيرته الفنية عليه ان يختار احدهما. التزمت الغناء الكلاسيكي وتحولت فجأة إلى الأغنية العصرية. ما سبب هذا التحوّل؟ - ليس هناك انقلاباً ابداً. "من هي" قصيدة للشاعر ايليا ابو شديد لحنها كلاسيكي طربي صرف، ولكن في هذا الشريط "دعمت" الأغاني العصرية الموجودة فيه اكثر من غيرها. فعادة كنت أضع اغنيتين أو ثلاثاً عصرية في الكاسيت ولا أصورها لأنني كنت أصوّر الأغاني الكلاسيكية، فصار لدى الجمهور انطباع انني مطربة كلاسيكية علماً ان أعمالي القديمة مثل ألبومي "حبك ضاع" أو "أشواق المغيب" تضمنت أغاني شعبية لم تتسلط عليها الأضواء. اما في ألبومي الأخير فتوجد أغنية شعبية واحدة مصورة اسمها "سلملي قلبك" عرفها الجمهور فرسخت في ذهنه. أعطتك مسرحية "أورنينا" التي كتبها الشاعر مردوك الشامي ولحنها وجدي شيا مركزاً مرموقاً على صعيد المسرح الغنائي، لماذا لم تتابعي فيه؟ - قدّمت مجموعة مسرحيات غنائية منها مسرحية "سفر نرجس". واخيراً قدمت مسرحية للشاعر جورج جرداق بعنوان "أنا شرقية". كانت لي أربع تجارب مسرحية غنائية كلها غنية جداً وذات قيمة ثقافية وفنية وضعتني في المسار الفني الذي كنت أبحث عنه دائماً وأسعى اليه، ولكن الصدفة غيّرت الكثير في حياتي فبعد زواجي تغيرت قليلاً وظروفي اختلفت عن السابق، فسفري المتواصل يمنعني من خوض اي تجربة مسرحية جديدة لأن المسرح يحتاج الى الالتزام والتفرغ والاستمرارية. هل تجدين ان الاعلام لا يلتفت الى المسرح ولا يجذب جمهوراً اليه؟ - لا شك ان المسرح أقل الفنون انتشاراً ومتابعة من الجمهور، ولكن ليس هو السبب الذي دفعني لأتوقف عنه، على العكس أحب الغوص بما هو جيد وجديد وأحب ان أتحدّى نفسي أولاً وأجرّب المسائل الصعبة وهذا ما جعلني في بدايتي أغني القصائد، والسبب لامتناعي الآن عن المسرح هو ما ذكرته سابقاً، اضيف الى ذلك الأزمات التي يعاني منها المسرح في الوطن العربي، من معاناته ليست فنية اطلاقاً لأن لدينا في العالم العربي كفاءات ومواهب مثقفة كثيرة ترفع قيمة المسرح ومستواه، انما المعاناة في التمويل والانتاج والترويج والاعلان والاعلام وفي بعض الاحيان قد تكون أزمة نصوص، فكل الامور المتشابكة أدت الى معاناة المسرح العربي. هل ستقدمين عملاً للرحابنة؟ - تربطني صداقة بعائلة الرحباني خصوصاً الجيل الجديد منهم، والفن ليست له حدود أو شروط تقيده وتحده، لهذا أرى أن من الممكن التعاون معهم مستقبلاً وليس هناك قرار نهائي حتى الآن، فقد التقيت بهم اثناء تحضيري شريطي الجديد الذي سيصدر قريباً، وتطورت علاقتنا ودرسنا مشروع تعاون قريب بيننا في مرحلة مقبلة ولكن لم تحدد خطوطه العريضة بعد، لهذا لا استطيع ان أقول انه عمل مسرحي أو أعمال تلحينية لبعض الاغاني، وعندما تصبح الامور واضحة سأعلن الأمر. قيل ان اعلانات "من هي" كانت أضخم من الانتاج والمبيع فما هو ردك؟ - كل شيء في الحياة يحتاج خطوة أولى، واسم نورا رحال بدأ يعرف في الوسط الفني منذ ست سنوات وأكثر، ربما كان وصولي الى الجمهور بطيئاً بعض الشيء بسبب الأسلوب الصعب الذي دخلت فيه عالم الغناء، وبعد عودتي في اسلوب مغاير احتجت الى وسيلة للانتشار باللوك الجديد، وهذا لا يحصل الا عبر الدعاية والاعلان الذي نشرته في الوطن العربي ليتذكرني الناس. والجمهور هو من يقيّم اذا كانت الدعاية بمستوى الشريط أم لا. ولكنني شخصياً استطعت الحصول على ما أريد من خلال هذه الاعلانات، وبالطبع لم أكن أريد ان أكون الرقم واحد في الوطن العربي فهذا شيء صعب ولا يتحقق بالدعاية أو بأغنية ضاربة، بل بالمثابرة والحفاظ على المستوى الفني الراقي. والمقصود من الخطوة الأولى هو ان اعرّف عن نفسي لأكبر عدد من الناس في الوطن العربي، لتعيدني الحملة الى ذاكرة الناس. فالفن بالنسبة الي هواية، وهذا ما يبعدني عن الغناء في المطاعم. تعاملت مع وجدي شيا في السابق، هل رأيت ان أسلوبه تقليدي فقررت التوقف عن التعامل معه؟ - العملان اللذان قدمتهما لوجدي شيا هما "الغنائيات" قصيدة للشاعر جورج جرداق واغنية "ما بعرف" كلمات جورج يمين، وهما من أجمل ما غنيت. وهذا الاسلوب أحبه كثيراً لأنني أحب الطرب، ولكن بعد مسرحية "أنا شرقية" تزوجت وتغيرت حياتي واحببت ان ادخل شيئاً جديداً في غنائي واجرّب التعامل مع اشخاص جدد، ولكن لا يوجد اي قرار أو موقف من التعامل معه. كيف ترين المنافسة في الفن اليوم ولأي مدى للابداع علاقة فيه؟ - بالطبع المنافسة لها علاقة بالابداع، ولكن اليوم اصبح الابداع عملة نادرة جداً، ولم تعد هناك منافسة، اصبح كل فنان يقول "اللهم نفسي" ويبحث عن كيفية بقائه على الساحة الفنية عبر تقديمه اغاني جديدة. وباعتقادي ان المشوار الغنائي ليس مسؤولية المطرب بالدرجة الأولى، المطرب عليه فقط ان يختار ما يطرح عليه والأنسب له، ولكن المشروع الموسيقي الغنائي أساساً مسؤولية الملحن، لأن الملحنين هم من يغيرون مسيرة الاغنية وهم من يغيرون مسيرة التطور في الموسيقى العربية أو تراجعها. ألا تعتقدين ان المال ايضاً له تأثير في انتقاء المطرب؟ - هذه الامور تحصل، ولكنني اعتقدها تجارب تنتهي. لأن عندما يقدم الملحن ابداعاته الى شخص لا يحمل الموهبة المطلوبة وليست لديه القدرة على ايصال اللحن والموسيقى فسيكون عابراً، والمال قد يلعب دوراً بالنسبة الى الملحن المحتاج، ولا أعتقد ان المبدعين الحقيقيين يقدمون اغنية الى اي شخص اذا لم يكن مطرباً موهوباً وجديراً بما يقدمونه له. هل تعتقدين ان الشكل له أهمية في زمننا حتى ينجح المغني؟ - بوجود المحطات الفضائية المنتشرة فان للشكل تأثيراً، لكنه ليس الأساس في العمل الفني ابداً. وفي المرحلة الاخيرة مع انتشار الصورة وكثافة تصوير الفيديو كليب تحوّل كثيرون الى الاهتمام بالمظهر، ولكن صار هناك الآن تحول عند الجمهور الذي يريد الافكار والاعمال الحقيقية لا الصورة فقط. هل تغيرين أسلوبك أو نمط غنائك لو فدر لك العودة الى البدايات؟ - لا أصلح شيئاً في مسيرتي، لأنني لم أرتكب اخطاء فنية، بل على العكس مسيرتي حافلة بالفن الاصيل، ولكنني قد أغير بعض الشيء في نمط الأغاني حيث أركز على الاغنية الخفيفة لأن غلطتي كانت أنني بدأت الاعمال الكبيرة ودخلت فوراً في موضوع القصائد والاغاني الطربية والتي يتقبلها الجمهور من مطربين يعرفهم، لذلك كان من المفروض ان أبدأ بالأبسط، لأن الجمهور متفاوت المستوى الثقافي والمعرفة، والقاعدة الجماهيرية بحاجة الى الاغنية الخفيفة البسيطة حتى تستطيع ان تستوعبها وتحسّ بها. ما هو جديد نورا رحال؟ - قدمت اخيراً اغنية "سيدي العالم" التي صورتها فيديو كليب وتبث منذ فترة قصيرة على الفضائيات وهي واحدة ضمن مجموعة اغنيات يضمها الكاسيت الجديد الذي سينزل قريباً الى الاسواق، الذي تعاملت فيه مع الشاعر عماد شمس الدين في اغنيتين، اضافة الى اغنية "سيدي العالم" من كلمات دسوقي فتحي وألحان شريف تاج، وهناك ايضاً اغنيتان من الحان صلاح الشرنوبي، وأغنية من الحان محمد ضيا، وأغنية من الحان عمرو مصطفى وأخرى من الحان محمد رحيم.