يبدو أن هناك التباساً حقيقياً في مفهوم التغيير الذي يقول به الفنانون من أهل الغناء، تحديداً، وإن يكن الالتباس نفسه في شكل أكثر حدة أو أقل حدة، موجوداً عند جميع الفنانين. فهذا التغيير، وهو مفهوم نسبي طبعاً، يراه المغنون عموماً، عبارة عن تقليعة جديدة من هنا، أو إيقاع غير مألوف من هناك، أي عبارة عن مظاهر معينة لا تتناول، بأي مقياس من المقاييس، المضمون على مستوى النص أو على مستوى اللحن أو على مستوى تركيب الأغنية ككل. المطربة نوال الزغبي في شريطها الأخير "الليالي" لا تشذّ عن قاعدة التغيير الآنفة الذكر. إنه تغيير في التفاصيل لا في الأساس. والتفاصيل تتناول أغنيات معينة، بينها "الليالي" نفسها التي تحركت من ذهنية ما شاع أخيراً من ألحان كأنها تتلاعب في جُملها مع الإيقاع لتبدو في بعض المواقع كأنها خارج الإيقاع، في وقت تكون هي تسبح في الإيقاع انما بطريقة مختلفة. هناك مشكلة عامة بين المغنين، ونوال الزغبي تعانيها من وجهة نظر نقدية، من دون أن يعني ذلك أنها موافقة أو مدركة أنها تعانيها! المشكلة هي طريقة الخروج من النمط الغنائي الذي صنعته لنفسها بمباركة شركات الإنتاج والملحنين، وتحول في كثير من مفرداته الغنية وقاموسه... سجناً. ولا ندري هل تريد نوال التفلّت من هذا السجن الذي أطبق عليها في نظر الكثيرين ومنعها من التحرّك بما تسمح به طاقات صوتها القادرة على بلوغ مساحات جيدة لا في الصعود الجواب ولا في الهبوط القرار فحسب، بل وفي المدى التعبيري الممكن له أم لا تريد! نوال الزغبي، تكاد تكون من أكثر المطربات اللبنانيات والعربيات نشاطاً وحرصاً على تقديم جديد، بمعنى الإنتاج كل عام، لا بمعنى التجدد في التجربة. ويستطيع المستمع أن يلاحظ تطوراً جدياً في نضج الصوت الذي كان في ما سبق يقنع بما فيه، فصار اليوم يحاول أن يروح أبعد من ذلك. وقد يكون هذا التطور مرحلة أولى في التوجه نحو اكتشاف الإمكانات الذاتية على طريق مرحلة أخرى، هي الأهم إذا حصلت، وتتمثل في إحداث انقلاب معيّن في أسلوب الأداء من جهة، وفي مضمون الأغنيات من جهة ثانية. وأعتقد أن نقطة الضعف الواضحة في ما ينتج هذا الجيل الشاب من أغنيات تكمن في أن كل مغنّ أو مغنية، والكل اجمالاً، حدّدوا جمهورهم من اللحظة الأولى، ولم يعودوا مهتمين بتقديم اقتراح غنائي آخر الى هذا الجمهور. نوال الزغبي، بهذا المعنى، رضيت بجمهورها ورضي بها، وتبادلا الحب من طرفين قَبلا بعضهما بعضاً على ما فيهما، وصار كل طرف يرفض أن يظهر للآخر في غير الصورة التي عرفه بها، وأحبّه على أساسها، وانسجم معه بفضلها. إنه الخوف حيناً، لكنه أيضاً عدم القدرة على إقناع الآخر بما عنده. فهل تتكبّد الزغبي مشقة كبيرة إذا هي أدرجت في كل شريط جديد تقدّمه، أغنية على الأقل، أو أغنيتين على الأكثر مختلفتين تماماً، أو الى حدود معينة "مرسومة" من الاختلاف، على سبيل جس النبض بالنسبة الى الجمهور؟! ومن الذي قال لنوال الزغبي، وخلفها لجميع المغنين الشباب، إن جمهورهم لا يرغب في رؤيتهم يغيّرون عاداتهم الغنائية في اختيار الكلمة واللحن والمضمون والتوجُّه؟! ولماذا لا يجرّبون هذا التغيير ويصرّون عليه مرة ومرتين وثلاثاً بدعم من الفيديو كليب وهو سلاح الشهرة الأكبر اليوم، فإذا نجحت المحاولة، كان التركيز الإيجابي على نتائج ذلك النجاح، ومن ثم بناء قاعدة أكبر لجمهور أكبر يرى الى الأصوات الغنائية كصاحبة دور في رسم شكل الذوق العام المعافى. السؤال الذي يلخص الأزمة هو: هل من كان يحب الزغبي مثلاً كنموذج من الشباب في أوّل إنتاج غنائي لها قبل 10 سنوات، تخلّى عن هذا الحب، أم بقي حيث هو يحبّها؟! ومن هذا السؤال يطل سؤال أدقّ هو: هل من كان لا يحب نوال الزغبي وأغنياتها في ما غنّت في الماضي، غيّر رأيه بعدما صار لها في التداول أكثر من سبعة شرائط غنائية كاملة، فراح يحبّها ويعجب بها؟! أميل الى الحكم الآتي: أن نوال الزغبي، بعد اختمار صوتها ووصوله الى متانة تعبيرية واضحة، يفترض أن تلتفت بقوة الى جمهور آخر، ولا بأس أن يأتي الالتفات بمثابة المفاجأة الكاملة، فالاطمئنان الى جمهور "في اليد" لن يكون بديلاً من المغامرة الممتعة في اتجاه جمهور "على الشجرة"، قد يكون أجمل وأنفع.