لا شك في ان السينما العربية حققت خلال السنوات العشر الأخيرة، قفزات عدة على صعيد التحول الى جزء من سينما العالم، بمعنى أن بعض أفلامها عرف طريقه الى المهرجانات والى شاشات التلفزة في الكثير من البلدان الأجنبية. بل كانت هناك جوائز كبيرة عرف عدد من السينمائيين العرب كيف يفوزون بها. كان رائدهم في ذلك، طبعاً، محمد الأخضر حامينا الذي حقق، باكراً ومنذ العام 1975، فوزاً عالمياً حين نال السعفة الذهبية في دورة ذلك العام لمهرجان "كان" السينمائي. ومن بعده كرت السبحة ولو متأخرة، فكانت انتصارات مارون بغدادي ويوسف شاهين وايليا سليمان، ودائماً في المهرجان الفرنسي نفسه الذي قدم أكثر من أي مهرجان عالمي آخر، حماية للسينما العربية، وصلت الى ذروتها حين طاولت السينمائي العربي نفسه في شخص يوسف شاهين إذ فاز العام 1997 بجائزة خمسينية المهرجان. كل هذا أدخل السينما العربية، بالطبع، في خريطة السينما العالمية... ولكن ألا يحق لنا أن نرى في الأمر دخولاً من دروب وأبواب مواربة، طالما ان أياً من أفلام مخرجينا العرب بمن فيهم الكبار الكبار، لم يصبح بعد جزءاً من التاريخ العادي للسينما التي يقبل عليها المتفرجون في العالم لأسباب سينمائية بحتة. في الأدب لدينا نماذج موازية. إذ من بين الكتّاب العرب الذين يكتبون بالعربية، وحده نجيب محفوظ يترجم الى اللغات الأخرى ويُقرأ من القراء الأجانب، بصفته أديباً خالصاً، يُقرأ كما يُقرأ توماس مان أو هرمان هسه أو اندريه جيد، أما الآخرون الذين ترجموا فيقرأون لأسباب أخرى بعضها سياسي وبعضها طائفي. وفي المقابل هناك طبعاً كتّاب عرب يقرأون على نطاق واسع وللذة القراءة وحدها، لكنهم جميعاً يكتبون بلغات العالم الخارجي، لا بالعربية... ومن هؤلاء أهداف سويف وأمين معلوف وآسيا جبار وادوارد سعيد ورشيد بوجدرة. مع هؤلاء فقط يمكن ان نقول ان الأدب العربي دخل أدب العصر والعالم. ولغة محفوظ العربية تبدو هنا استثناء لا قاعدة. في السينما، إذاً، ليس هناك أي سينمائي يمكن ان تكون حاله حال محفوظ. ولكنْ، هناك عدد من سينمائيين حققوا "العالمية" المنشودة... فقط عبر أعمال حققوها خارج اطار اللغة العربية والسينما العربية، حتى وإن حملوا هموماً عربية جزئية. وهؤلاء ليسوا كثراً على أية حال، ليس ثمة من بينهم بالتأكيد من يمكنه أن يكون معادلاً لتفوق أمين معلوف أو ادوارد سعيد أو أهداف سويف أو غيرهم. ولعل آخر دليل على ما نقول، الاستفتاء الذي أجرته مجلة "سايت اندساوند" البريطانية السينمائية العريقة والذي ننشر بعض نتائجه في مكان آخر من هذه الصفحة بالذات. فهذه المجلة، وكما تفعل مرة كل عقد، منذ العام 1952، استفتت مئات النقاد ومئات المخرجين، ومن اصحاب الأسماء الأكثر بروزاً في الساحة السينمائية العالمية، حول الأفلام كما حول المخرجين الذين يرون انها وانهم الأفضل على مدى تاريخ الفن السينمائي. ثم نشرت المجلة النتائج النهائية، مستخلصة أسماء الأفلام والمخرجين. لكنها نشرت في الوقت نفسه تفاصيل الاستفتاءات، أي انها أوردت اختيارات كل مخرج وكل ناقد، ما يجعل عدد الأفلام والمخرجين الذين تم اختيارهم يزيد على الفين في كل مجال. وبين الأسماء يمكننا ان نرصد أسماء ايرانية وهندية وصينية ويابانية ومكسيكية، ناهيك بالأسماء المعهودة والآتية من مراكز الثقل الأساسية في السينما العالمية: الولاياتالمتحدة وأوروبا. واللافت ان بين الأسماء المختارة، أفلاماً ومخرجين، ليس ثمة أي اسم عربي، ولو من طريق السهو والغلط. وليس في الأمر، طبعاً، لا مؤامرة صهيونية ولا من يحزنون. كما انه من الصعب ان نفترض ان المسألة نابعة من حس عنصري يرمي الى الازدراء بما ننتجه نحن العرب على الكثير من الصعد. فالحال ان النقاد والمخرجين الذين جرى استفتاؤهم، يشكلون طليعة مضمونة، وهم في شكل اجمالي من خيرة من يصنع التاريخ الراهن للسينما العالمية، أفلاماً وتنظيرات. وهم أشخاص يمكن الوثوق بأذواقهم واختياراتهم، حتى وان كان من شأنها أن تغيظ البعض منا. وأمام وضع كهذا، بدلاً من أن نلجأ الى كليشيهاتنا المعهودة، ترى، أفليس الأجدر بنا ان نتوقف لوهلة ونفكر متسائلين عما إذا كانت سينمانا، بجيدها والأقل جودة، تستحق حقاً أن تغير جزءاً من زمن العالم؟ أفليس علينا أن نبدأ بالتساؤل حقاً، عما قدمناه من جديد ومدهش ومفاجئ، في مجال الفن السابع، ولكن في غيره من المجالات أيضاً، طوال القرن العشرين؟ ان ثمة في الأمر كله، إذا نظرنا اليه بموضوعية وتجرد، وغيرة حقيقية، على موقعنا في الزمان وفي العالم، ألف سبب يدعونا الى اعادة نظر شاملة، لأن شعباً لا يضيف الى حضارة العالم، وفنونه وعلومه وآدابه وأفكاره، شيئاً طوال قرن كامل من الزمن - هذا لكيلا نتحدث عن القرون السابقة والتي تفصل بين العصر الذهبي الحقيقي للحضارة العربية القرنين الأولين وخروج الاحتلال العثماني من بلادنا -، شعباً مثل هذا عليه أن يتوقف ذات يوم ويسأل نفسه، سؤال عبدالله العلايلي الشهير والمرير: أين الخطأ. ذلك ان ثمة خطأً ما. قد يكون من قبيل الاجحاف والاختزال ان نختار طرح مثل هذه المسألة لمناسبة استفتاء سينمائي أجرته مجلة متخصصة في بلد أجنبي. ولكن هل حقاً علينا ان نختار ساعة أكثر مجداً أو أكثر ظلاماً لكي نذكر أنفسنا بهذه البديهة: بديهة أننا نعيش خارج زمن العالم، وأننا لا نقدم أي مساهمات في جديده - هل ترانا، أصلاً، نقدم أي مساهمات في جديدنا نحن، وقد تحولنا أكثر وأكثر الى مستهلكين لكل ما ينتجه الآخرون على وجه البسيطة؟ -... فهل يمكن لنا أن نأمل - في شيء قد يشبه المعجزة، يخرجنا من هذه الوضعية ويضعنا من جديد، على سكة الزمن والعالم، في السينما، ولكن أيضاً في بقية المجالات العلمية والفنية والأدبية والفكرية؟