إذا استثنينا كتّابنا الكبار، في العربية وفي بعض لغات العالم الأخرى، من الفائزين بالجوائز الاستثنائية، مثل نجيب محفوظ والطاهر بن جلون وأمين معلوف وأهداف سويف، والآخرين من الذين لهم مكانتهم، من دون ان يفوزوا بالجوائز، مثل شحادة وادوارد سعيد، يمكننا ان نقول في كل بساطة ان أدبنا الحديث لم يدخل العصر حقاً، ولا دخل في الحياة اليومية لقراء العالم، على رغم ان هذا الأدب ترجمت نماذج عدة منه الى الكثير من لغات العالم. وعلى رغم حضور بعض كبارنا، من أمثال أدونيس ومحمود درويش في الساحة الثقافية العالمية، فلا تزال، في صورة عامة، العالمية التي حلم بها الكثيرون، بعيدة جداً عنا. صحيح ان هناك بعض النجاحات هنا وهناك ونفكر بجمال الغيطاني وحنان الشيخ لأسباب مختلفة غير ان هذه الاستثناءات لا تلغي القاعدة: القاعدة هي اننا لم نبلغ، أدبياً، في مجال دخول العالم والعصر ما بلغته الآداب الأميركية واللاتينية أو اليابانية. وما يقال عن الأدب هنا، يمكن أن يقال عن الموسيقى والرسم، ولكن خصوصاً عن السينما. ومع هذا يظل السينمائيون العرب، أكثر فناني الأمة تطلعاً الى العالمية وسعياً اليها. وهم في سبيل ذلك غالباً ما يحدث منهم ان يسلكوا دروباً ويبتدعوا أساليب فيها الكثير من الشطط وكلهم اعتقاد بأن تلك هي متطلبات العالمية. ومع هذا نعرف ان عشرات الأفلام العربية، ومن شتى البلدان، تعرض في صالات العالم الرئيسة... ولا سيما منها باريس، حيث لا يكاد يمضي أسبوع إلا وهناك فيلم عربي أو أكثر. وباريس هنا كان يمكن ان تشكل، أيضاً، حالة استثنائية طالما ان فيها مئات الألوف من الرعايا العرب، من مغرب الأمة ومن مشرقها. ومع هذا، إذا سألت مواطناً فرنسياً عما اذا كان شاهد فيلماً عربياً يسارع بالحديث عن السينما الايرانية، وكله اعتقاد ان ايران بلد عربي، وأن السينما الايرانية تكاد تكون السينما العربية الوحيدة التي يعرفها ويقبل على أفلامها. في هذا الاطار نفسه كان يمكن القول ان يوسف شاهين يشكل استثناء، إذ انه الوحيد بين كل المخرجين العرب، الذي دخل "العالمية" من بابها الواسع، وعلى الأقل منذ نال، بفضل "المصير" جائزة خمسينية مهرجان كان قبل سنوات، وكان يومها ان شاهد فيلمه في فرنسا وحدها أكثر من نصف مليون متفرج... لكن شاهين لم يعرف بعد ذلك ولو جزءاً من هذا النجاح، فقبل عامين جاء فيلمه "الآخر" ليحصد ما يشبه الفشل. أما "سكوت حنصوّر" فإنه لم يحصد حتى كتابة هذه السطور سوى ثلاثين ألف متفرج، على رغم الدعاية الواسعة التي أحيط بها، بما في ذلك حضور شاهين المميز على شاشة التلفزة الفرنسية، وغلاف مجلة "كراسات السينما" العريقة. ومن اللافت أن فيلم شاهين، على رغم نتائجه المتواضعة، كان الأنجح، ومن بعيد، بين كل الأفلام التي حققها عرب سينمائيون وعرضت في فرنسا وغيرها طوال العام المنصرم. ومن الممكن الحديث هنا عن "معجزة" شاهينية، ان نحن قارنا نتائج "سكوت حنصور" بنتائج فيلم فلسطيني، لم يحصد، على رغم سمعة الانتفاضة، سوى 312 زبوناً، أو فيلم مغربي حصد الفين، أو تونسي لم يزد عدد حضوره على ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف. هل لنا ان نخرج من هذا لنقول ان السينما العربية في مأزق؟ على الأقل يمكن ان نقول ان ما هو في مأزق الآن، انما هو "عالمية" هذه السينما العربية، أو التصور الذي يملكه السينمائيون العرب عن مفهوم العالمية. وكأن كل ما حدث خلال السنوات العشر الماضية لم يلقنهم درساً. وكأن النجاح الكبير الذي حققه "المصير" لم يُرهم طريق العالمية الحقيقية: أي طريق الأصالة الحقيقية. فسينمائيونا، مثل كتابنا، لم يدركوا بعد أن العالمية تبدأ من هنا... ومن الآن... مهما اتخذت من أشكال واردية وتشعبت فيها الأساليب. وحتى يدركوا هذا حقاً، سيمر في اعتقادنا زمن طويل مقبل.