كان العرب يفضلون بالتأكيد دفع ذلك التاريخ الى النسيان. وذاكرتهم مثقلة أصلاً بالمواعيد المؤلمة. ولعلهم راهنوا في الشهور الماضية على بعض المؤشرات الايجابية، مصافحات وقبلات وتعهدات، لطي الصفحة نهائياً. لكن مع عودة الثاني من آب اغسطس يكتشف العرب ان المنطقة التي تكاد تتعافى من الآثار المدمرة لزلزال 1990 تبدو مرة اخرى مهددة بزلزال. واذا كان العراق اطلق الزلزال الأول فإنه الهدف الواضح للزلزال الجديد الذي تنذر الولاياتالمتحدة بإطلاقه. ثمة فارق كبير بين ذلك الصيف الذي اجتاحت فيه القوات العراقيةالكويت وبين الصيف الحالي الذي تتصاعد فيه حرارة السيناريوات التي تستهدف نظام الرئيس صدام حسين. فحين وقع الغزو كان الاتحاد السوفياتي لا يزال موجوداً وان مرتبكاً أو متداعياً. وكانت هزيمة السلاح السوفياتي الموجود في عهدة الجيش العراقي دليلاً اضافياً على تداعي الامبراطورية السوفياتية. في الصيف الحالي تبدو الصورة مختلفة. يعيش العالم اليوم في عهد القطب الواحد. عهد القيادة الاميركية للعالم الذي ولد من ركام عالم المعسكرين الذي انجبته الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وبين الصيفين موعد كبير وخطير يستحيل قراءة العالم من دونه. انه 11 ايلول سبتمبر. فالهجمات التي وقعت في ذلك اليوم اعطت الولاياتالمتحدة فرصة التقدم لفرض قيادتها على العالم والانتقال من ادارته عبر التعايش الى حلم اعادة تشكيله. وفي ذلك اليوم انشطر العالم مجدداً الى معسكرين وهو ما يؤكده جورج بوش واسامة بن لادن معاً. في ظل المخاوف التي أطلقها 11 ايلول اطلقت الولاياتالمتحدة حربها على الارهاب وهي حرب عالمية. ولئن كان المعقل الافغاني مسرح الفصل الأول من هذه الحرب المتعددة المسارح والأساليب، فإن كل شيء يشير الى ان الشرق الأوسط مرشح لاستضافة الفصل الثاني ولأسباب كثيرة. واظهرت تطورات الاسابيع الماضية ان العراق بات الاختبار الكبير لإدارة بوش التي ربطت في حربها بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل. واكدت المواقف الاميركية الأخيرة ان النظام العراقي يتقدم الى حد بعيد زميليه الايراني والكوري الشمالي في لائحة "محور الشر". من حق أهل المنطقة ان يشعروا بالقلق. فالقرار الاميركي باقتلاع النظام العراقي يشكل سابقة. ثم ان العراق دولة اساسية في المنطقة وجزء من التوازن في المثلث العراقي - التركي - الايراني وهو بلد يختزن طاقات وينام على ثروات. يضاف الى ذلك ما تبطنه التركيبة العراقية نفسها من مخاطر في حال انفجارها في مناخ من الفوضى والاحتراب الداخلي وغياب السلطة المركزية وتمكين شهيات التدخل الخارجي من ترجمة احلامها القديمة. لا يملك العرب القدرة على منع استهداف العراق. وهم ليسوا بالتأكيد في أحسن أحوالهم. والدليل ما يعيشه الرئيس ياسر عرفات وشعبه. لا يملكون القدرة على منع العاصفة المقتربة. ولا يملكون القدرة على الابتعاد عن نتائجها. فلنجاح عملية فرض التغيير في العراق ثمن. ولانفجار العراق بفعل الضربات ثمن مضاعف. وما لا يملكه العرب لا يملكه كوفي انان ايضاً. فدور الاممالمتحدة بعد 11 ايلول يختلف عن دورها قبله خصوصاً ان الولاياتالمتحدة تعتبر الحرب على الارهاب وترسانات اسلحة الدمار الشامل جزءاً من ممارسة حق الدفاع عن النفس. رجل واحد كان في استطاعته ان يغير المعطيات بين الصيف القديم والصيف الجديد. انه الرئيس صدام حسين. اساء قراءة موازين القوى وحسابات المصالح في 1990. ولا شيء يشير الى انه أجاد قراءة عالم ما بعد 11 ايلول. نجح في البقاء وفي الرهان على الوقت، لكن من عادة الوقت ان يغدر بالمراهنين عليه. كان العرب يتمنون ان يكون الثاني من آب مناسبة لطي صفحة الزلزال القديم وها هم يتابعون بقلق تجمع النذر باندلاع زلزال جديد يصعب التكهن بحجمه وترويض نتائجه. زلزال يحتاج الى مفاجأة كبرى كي لا يقع.