مسألة التراث في الرواية الجزائرية يمكن تناولها على مستوى الشكل، لأن بعض الروائيين الجزائريين استعار اشكالاً مستمدة من التراث، من التراث القصصي الشعبي، كما فعل الطاهر وطار في روايته "الحوات والقصر" او عبدالحميد بن هدوقة في "الجازية والدراويش". لكن هذا الجانب من المسألة يبقى هامشياً في الحقيقة، فالروائيون الجزائريون تعاملوا سردياً مع التراث اساساً من حيث هو مضمون تاريخي يتيح استخدامات جمالية، ايديولوجية وسياسية ومعرفية. ويوجد في هذا السياق اتجاهان، احدهما ينزع الى التعامل مع التراث روائياً لأغراض ادبية وجمالية والى حد ما تأريخية "معرفية"، نجده بالدرجة الاولى عند رشيد بوجدرة الذي قلما تعبر اعماله، كما هو معروف، عن نبض الحاضر. يمكن ان نلقى صورة عنه، مثلاً، في روايته "معركة الزقاق" حيث يحتل الحديث عن فتح الاندلس جزءاً مهماً في النص، ومن خلاله الصراع بين الفاتح البربري طارق بن زياد والأمير موسى بن نصير. الاتجاه الثاني، وهو الغالب، يربط توظيف التراث داخل النص الروائى بتناقضات الحاضر وصراعاته. وتسمح قراءة اعمال الفترة "الاشتراكية" التي مرت بها الجزائر، بخاصة في اعمال الطاهر وطار، بملاحظة ان التراث كاشكالية سياسية وإيديولوجية ليس وليد الراهن. بل نجد ان التراث كنزعة ايديولوجية تحيل عند وطار الى فترة حرب التحرير نفسها، حيث نجد "الشيخ" في رواية "اللاز" يقوم - تطبيقاً لأمر من قيادة جبهة التحرير الوطني - بذبح مناضلين يساريين رفضوا التخلي عن عقيدتهم. وفي رواية "الموت والعشق في الزمن الحراشي" تظهر شخصيات تردد خطاباً ايديولوجياً سلفياً عنيفاً في الوسط الطالبي في مواجهة الطلبة اليساريين المناصرين ل"الثورة الزراعية". في "عرس بغل" يستحضر الحاج كيان، البطل المحوري في الرواية، شخصيات تراثية ذات دلالة على صعيد المطالبة بالعدالة الاجتماعية مثل ابو ذر الغفاري وحمدان قرمط. وهما شخصيتان كان اليسار الجزائري يوظفهما في خطابه الايديولوجي لمواجهة الخطاب السلفي المناهض للتوجه الاشتراكي في عهد بومدين. ونجد الروائي واسيني الاعرج يستلهم بدوره شخصيات تراثية، لكنها لا تنتمي الى التراث الديني، بل الى الموروث الادبي. ففي روايته "فاجعة الليلة السابعة بعد الألف" يستوحي عوالم ألف ليلة وليلة ويجعل دنيزاد تروي للملك شهريار، ليس قصصاً طريفة وشيقة لا نهاية لها، كما فعلت معه شهرزاد، بل تسرد عليه "قصص المآسي والمحن والصور المحزنة وصراخات المعذبين والاختطافات والعنف". وحين دخلت الجزائر مرحلة جديدة من تاريخها، بعد تظاهرات اكتوبر 1988 التي افضت الى التعددية والى اقتحام التراث، للفضاء السياسي الجزائري. فأصبح اهتمام الروائيين منصباً على علاقة التراث بالعنف والسياسة. رواية "المتاهات" لحميدة عياشي صورة لهذا التحول الذي جسده "بطله" المحوري، الارهابي دلهوم المدعو ابو يزيد، الاعرج، القصير القامة والقوي الجسم وصاحب الحصان الاشهب. وهو صورة طبق الاصل تقريباً ل"ابو يزيد النكاري"، المنتمي الى فرقة الخوارج، والمعروف في كتب التاريخ بصاحب الحمار. ويظهر "ابو يزيد النكاري" في "المتاهات" عبر عملية تناص تستند الى ما جاء ذكره عنه في كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الاثير. غير ان يوميات التداخل بين السياسة والدين والعنف في الحاضر الجزائري تمتد ايضاً عبر فضاء هذا النص الى مؤلفات الشهرستاني حول مقتل علي والى نصوص تراثية اخرى تتمحور حول اشكالية الدين والسياسة والعنف في التاريخ الاسلامي. نفس الاحالات الروائىة الى التراث لأسباب سياسية وايديولوجية وأمنية متصلة بالراهن الجزائري نجدها عند حميد عبدالقادر في روايته "الانزلاق" حيث تظهر في مرحلة من مراحل تطور السرد شخصية "جاءت البلدة قادمة من قلعة الموت "ألموت" لإحياء ذكرى حسن الصباح، شخصية جاءت تحرض على "نشر الرعب في كل مكان" وعلى قتل "الشعراء اولاً" قصد تفادي "خطأ" حسن الصباح حين ابى قتل الشاعر عمر الخيام الذي "كان أنانياً يبحث عن الفلسفة التي تسعده، وراح يكتب رباعيته الماجنة، بينما نظام الملك يستعبد العامة ويدوس احلامهم". رواية الطاهر وطار الاخيرة "الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي" المشبعة بعجائبية صوفية، لا يمكن فصلها بدورها، شكلاً ومضموناً، عن عودة التراث سياسياً وإيديولوجياً، في المجتمع الجزائري، كمرجع ديني لمشروع حكم. ويمكن القول ان توظيف التراث في الرواية الجزائرية أتى اساساً وفق طبيعة تناقضات الحاضر وصراعاته. لكن لا يمكن ان نغفل ايضاً عنصر الافتتان بهذا التراث.