الاغتصاب ظاهرة مجنونة ومتوترة وبالطبع لا إنسانية، ومع ذلك تبدو آفة عالمية تجتاح كل المجتمعات، الغني منها والفقير، المتخلف والمتطور، المحافظ والمتحرر. وفي دولة مثل الولاياتالمتحدة هناك امرأة واحدة تتعرض كل ست دقائق للاغتصاب أو لمحاولة اغتصاب، وفي جنوب افريقيا بلغ الهوس الجنسي حداً خيالياً وصل معه عدد المغتصبات الى مليون امرأة خلال عام واحد. أما في سورية فإن الاحصاءات الرسمية تتجاهل ايراد عدد جرائم الاغتصاب، بل ان طبيعة المجتمع غالباً ما تفرض على المُغتصبات وذويهن التزام الصمت خوفاً من الفضيحة، لكن هذا لا يعني ان المشكلة ليست قائمة ولا يتم التعامل معها جنائياً وقضائياً. تتجرأ وتحكي ن.أ-25 عاماً تعرضت للاغتصاب وامتلكت جرأة البوح بما جرى لها على أيدي ثلاثة شبان. ولا تتذكر معاناتها، فما زالت تلك حاضرة بتفاصيلها "في ذلك اليوم 10/4/2002، تناولنا الشاي والنرجيلة أنا وصديقي في احد مقاهي دمشق لننطلق بعدها بسيارته الى منطقة جبلية قريبة، كانت الساعة بحدود الحادية عشرة ليلاً، وكل شيء يغرينا بالترجل من السيارة، الطقس الجميل والهواء النقي والهدوء، لكن سعادتنا بلطافة الجو لم تستمر بضع دقائق، إذ فوجئنا بثلاثة شبان بالزي الرياضي وقد أحاطوا بنا، أوهمونا بأنهم دورية أمنية، وبأننا تحت المراقبة منذ لحظة وقوف السيارة، لم أشعر في حياتي بالخوف كما شعرت به في تلك اللحظات، سألونا عن صلتنا ببعضنا بعضاً وعن سبب وجودنا في المكان، ثم أمسك اثنان منهما بصديقي واقتاداه الى أسفل الطريق وبقي الثالث معي وألمح إلي بأن المسؤول عنهم يرغب في مشاهدتي وصادر مني أوراقاً تخص عملي قبل ان يحملني نحو اتجاه آخر مزروع بالأشجار طالباً من أحد زميليه احضار سيارة صديقي". وتعيد الفتاة بالكلمات رسم أبشع مواقف عمرها: "طلب مني الصعود الى السيارة وقادها نحو أربعمئة متر ثم أوقفها وأمرني بالعودة الى المقعد الخلفي، خيل إلي انني قد أدفع حياتي ثمناً لأي مقاومة، توسلت اليه مراراً ألا يؤذيني وبكيت، غير انه ازداد شهوانية وشراسة واغتصبني. كان حيواناً فيما كنت أشعر بروحي تهوي وتتحطم أشلاء". تصمت الضحية، تحاول السيطرة على صوتها المرتجف وتستعين بما تبقى لديها من قدرة على تحريض الذاكرة لتستدرك: "عاد الى زميليه مستدعياً أحدهما، بينما استمر الآخر في مراقبة صديقي... ومن جديد أمرني بأن أكرر ما حصل تماماً مع صديقه، واكتفى الأخير بتقبيلي بعد أن رددت كل ما أحفظ من عبارات التوسل... تهامسا وقررا ايصالي الى المدينة، وفي الطريق لاطفني فسايرته خوفاً، وسألني ان كان يستطيع رؤيتي فوافقت ولم أكن أتوقع مجيئه في الساعة السادسة مساء "في اليوم التالي بحسب الموعد، لكنه فعل وكنت بانتظاره مع عناصر من الشرطة وصديقي الذي كانوا تركوه بعد تهديده وسلبه مبلغاً من المال". من المؤكد ان الندم الذي أبداه المعتدي ليس كافياً لمحو آثار ما قام به وإن حاول تقديم رؤية مغايرة لما حدث "شاهدناها قبيل منتصف الليل وكان صديقها يقبلها ولم يكن الموضوع ليخطر في بالي لولا ايحاؤها لي بذلك حين أبلغتني باستعدادها لأي شيء في مقابل تركها في حال سبيلها، عندئذ طلبت منها التحدث في السيارة وبالفعل صعدت وسرنا مسافة قصيرة وما حصل لم يتعد القبل والمداعبة وانتهى الأمر بتحديد موعد للقاء بيننا". اثبتت التحقيقات صحة رواية الفتاة حول الواقعة. ولا شك في أن طبيعة الفتاة وظروفها الخاصة ساهمت في كشف واحدة من عمليات الاغتصاب التي كثيراً ما تُُقيد ضد مجهول، وغالباً ما يطويها الصمت هروباً من العار في مجتمع يخلط بين فعل الجاني ومصيبة الضحية.