تشهد فرنسا غداً الأحد الدورة الأولى من الانتخابات الاشتراعية التي يفترض أن تؤدي إلى تزويد الرئيس جاك شيراك بغالبية برلمانية مؤيدة له، ويتهيأ اليسار عبرها لمواجهة هزيمة متوقعة، فيما يعد اليمين المتطرف مجدداً بخلط الأوراق كافة والخروج من الانتخابات بموقع الحزب الأول في فرنسا. ويتنافس في هذه الانتخابات عدد قياسي من المرشحين يبلغ حوالى 4800 مرشح، نظراً إلى تكاثر عدد الأحزاب الصغيرة التي أصرت على خوض المعترك النيابي، لملء 577 مقعداً يتشكل منها البرلمان الفرنسي. ويخوض هذه الانتخابات للمرة الأولى عدد قياسي أيضاً من المرشحين الشباب من أصل عربي يبلغ حوالى 50 مرشحاً من بين 30 مستقلاً و20 موزعين على لوائح الأحزاب المختلفة، مما يعبر عن بداية وعي لدى هؤلاء الشباب لضرورة أخذ المكان الذي يعود لهم في الحياة السياسية الفرنسية، بعدما اكتفوا على مدى عقود عدة بالاستنكاف عنها باعتبارها أنها شأن لا يعنيهم. والمؤكد أن هذا الوعي مرده إلى التهديد الذي بات يمثله زعيم اليمين المتطرف جان - ماري لوبن الذي أيدته نسبة 16 في المئة من الناخبين في انتخابات الرئاسة الأخيرة. وباستثناء هذه اليقظة العربية، فإن الحملة الانتخابية اتسمت بوتيرة باردة وبعيدة كل البعد عن التعبئة التي عمت أنحاء فرنسا بين دورتي الانتخابات الرئاسية 21 نيسان/ ابريل - 5 أيار/ مايو، مما يوحي بأن الفرنسيين لا يهتمون بالسياسة إلا عندما تكون قيمهم ومؤسساتهم الجمهورية معرضة للخطر. وبدورها لم تبذل الأحزاب السياسية المختلفة جهداً استثنائياً في حملاتها وكأنها اكتفت بما تحقق من "تطويق" لمظاهرة لوبن ومنعه من الاستيلاء على الرئاسة، مع أن مسببات تنامي شعبيته لا تزال قائمة. ويرى البعض في فرنسا أن قصر المدة الفاصلة بين انتخابات الرئاسة والانتخابات الاشتراعية، لم يتح للأحزاب المختلفة التدقيق في العمق في ظاهرة بروز لوبن وفرضت عليها الضرورة أن تخوض الحملة الانتخابية بما لديها من إمكانات. ومن هذا المنطلق بنى الحزب الاشتراكي الفرنسي، أكبر المتضررين من صعود اليمين المتطرف، حملته على ضرورة الحؤول دون سيطرة اليمين على مؤسسات الجمهورية كافة، رئاسة وحكومة وبرلماناً. لكن أقصى ما يطمح إليه الاشتراكيون هو احراز عدد من المقاعد يمكنهم من لعب دور المعارضة الفاعلة في البرلمان. بالمقابل، ركز اليمين الممثل ب"الاتحاد من أجل الغالبية الرئاسية" حملته على ضرورة اخراج فرنسا من الارباك والجمود اللذين عاشتهما في السنوات الخمس الماضية نتيجة صيغة "التعايش"، وضرورة تحويل الغالبية البرلمانية من اليسار إلى اليمين لإضفاء تجانس على مؤسسات الجمهورية، وتمكين شيراك من تحقيق الوعود التي قدمها خلال حملته الانتخابية. ويراهن اليمين على الأداء الذي أبداه رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة جان بيار رافاران، وعلى استمرار المد الجمهوري الذي التف حول ترشيح شيراك في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة، لا يمكن أن يرتد عنه بصورة فورية ويتحول إلى موقف عقابي يفرض عليه غالبية معارضة له للسنوات الخمس المقبلة. وتفيد التوقعات أن اليمين الفرنسي سيحصل على تأييد 40 في المئة من الناخبين مقابل 34 في المئة يحصل عليها اليسار ويحافظ لوبن على نسبة مؤيدين مستقرة تبلغ 16 في المئة.