بعد سنوات من الصمت، قررت الصحافية الايطالية اوريانا فالاتشي 71 عاماً، التي اشتهرت بمقابلاتها الاستفزازية لحكام العالم، اسماع صوتها مجدداً لتعبر عن صدمتها حيال أحداث 11 أيلول سبتمبر. فجاء هذا الصوت عبر كتاب صدر في ايطاليا وباريس عن دار "بلون"، حاقداً وسامّاً ومهيناً، ولا يعبر سوى عن رغبة دفينة في شتم العرب والمسلمين الذين تسميهم بسخرية "أبناء الله"، بحجة الدفاع عن قيم الغرب. ومما تقوله فالاتشي في كتابها الذي احتل رأس قائمة مبيعات الكتب في ايطاليا وبيع منه حوالى مليون نسخة، ان هدفها هو تحذير الأوروبيين المصابين بالعمى والجمود وتنبيههم الى مخاطر "الحرب على أعلنها أبناء الله على الغرب". وتعتبر أن منفذي تفجيرات 11 أيلول، مثلهم مثل جماهير المسلمين المنتشرين في العالم وأولئك الطامحين إلى اللجوء إلى ايطاليا والذين تصادفهم فالاتشي أحياناً عن إحدى ساحات مدينة فلورنسا، ليسوا سوى "قتلة" انطلاقاً من دينهم الذي "يحضهم على الجهاد"، ومن اسلوب حياتهم بوصفهم مجموعة من البشر "يتكاثرون على طريقة الفئران، وتحيط بهم القذارة أينما وجدوا". وترى فالاتشي ان الهزيمة التي لحقت بنظام "طالبان" في أفغانستان لا تحد بأي شكل من الأشكال من الخطر الإسلامي الذي يهدد الحضارة الغربية، لأن "لا تطابق على الاطلاق بين حضارتنا وديانتهم"، وان عدم "المواجهة والاكتفاء بالترقب سيؤدي الى انتصار الجهاد". وتؤكد أن الوقت الحالي هو وقت الخيار، وان النخب الغربية تفتقر للإدراك والشجاعة اللازمين لتحديد خيارها لأنها "لا تفهم أو لا تريد أن تفهم أن ما نعيشه هو حرب صليبية بإتجاه معاكس". وتخاطب الاصوليين فتقول: "لقد ولدت مع الحرب وكبرت مع الحرب وأعرفها أحسن مما تعرفونها، لكنني أكثر شجاعة منكم"، مضيفة ان هدف هؤلاء الاصوليين هو "إلغاء حريتنا وحضارتنا وطريقتنا في الحياة والموت". وتأخذ فالاتشي على أوروبا التي تصفها ب "المهرج الأهبل"، علاقتها بالعالم العربي، التي ترى أنها "علاقة زنى" تختبئ وراء شعار "الهوية الثقافية المشتركة" مع دول الشرق اكوسط، التي لا تمتلك برأيها سوى قيمة واحدة هي "الفلوس". وضمّنت فالاتشي كتابها سيلاً من الكلمات النارية التي لم توفر فيها أحد، ما يوحي أن هدفها ليس فقط التعبير عن صدمتها حيال تفجيرات 11 أيلول التي عايشتها في نيويورك لدى وقوعها وإنما افراغ أحقاد راكمتها على مدى حياتها التي تشارف على نهايتها. وانفردت دار "بلون" بالدفاع عن كتاب فالاتشي باعتباره "كتاباً مهماً ينطوي على بعض المبالغات أحياناً، وإنما يطرح تساؤلات صحيحة"، على حد قول مدير الدار اوليفييه اوربان، فيما عبر مثقفون فرنسيون من اتجاهات مختلفة، وبعض الأوساط الدينية المسلمة والمسيحية، على حد سواء، عن "صدمة عميقة" حيال مضمونه. ورأى الكاتب برنار هنري ليفي المؤيد لاسرائيل ان كتاب فالاتشي "عنصري"، ومهين "لأكثر من بليون رجل وامرأة، كونه يخلط بين القاتل والمقتول، بواسطة فيض من الأحقاد". أما الكاتب جيل كيبيل، المختص بالعالم الإسلامي، فاعتبر أن كتاب فالاتشي "مؤشر سلبي الى مستوى التفكير الجماعي" في أحد أخطر التهديدات التي يواجهها العالم المعاصر، وانه بمثابة "انتصار للموتورين" من اتباع أسامة بن لادن وسواه. ولاحظ الأب جان - ماري غوديل، المسؤول عن العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية والإسلام، أن كتاب فالاتشي بني على مغالطات، منها أن الإسلام لا يدعو ألا إلى الحقد، وقال أن القرآن مثله مثل الكتب المقدسة الأخرى ينطوي على مقاطع تحضّ على الحرب وأخرى على التسامح، وأن الأخذ بإحداها من دون الاخرى يعبر عن توجه خطر.