صدر عن دار "غاليمار" الفرنسية كتاب في عنوان "الجهاد توسع وانحطاط الحركات الاسلامية" للكاتب الفرنسي جيل كيبيل، مدير الابحاث في مركز الابحاث الفرنسي "سي ان ار اس"، والمسؤول عن مادة العالم الاسلامي في معهد الدراسات السياسية في باريس. يتناول الكتاب انحسار الحركات الاسلامية منذ سنة 1990، ويقدم كيبيل تقويمه الخاص حول الموضوع. والتقت "الحياة" كيبيل في باريس حيث، يحظى كتابه باهتمام كبير في الاوساط الرسمية والاعلامية الفرنسية. يقول كيبيل، ان ما يبدو له لافتاً هو ان الحركات الاسلامية، التي كانت تروّج نوعاً من الطوباوية الاجتماعية في السبعينات والثمانينات، وتمكنت من ان تجمع من حولها فئات اجتماعية مختلفة، مثل شباب المدن الفقيرة والطبقات الوسطى، تشهد تراجعاً في العام الفين". ويضيف: "لا تزال هناك بالطبع مجموعات عنيفة تقوم باعمال ارهابية، مثل عملية خطف السواح في الفيليبين، والاعتداءات التي تشهدها الجزائر، لكن هذه المجموعات لم تعد مدعومة بحركة اجتماعية مثلما كان الحال في مطلع العقد". ويقول: "على سبيل المثال ان "حماس" خلال الانتفاضة، كانت نجحت في ان تجمع حولها حركة اجتماعية حقيقية، فاعمال العنف التي اقدمت عليها كانت مدعومة بحركة تمدد اجتماعي واستندت إلى قاعدة اجتماعية فنية، لكن الأمر تغير اليوم، وتحديداً منذ مطلع التسعينات وفي اعقاب حرب الخليج، حين حصل انشقاق في صفوف الحركة الاسلامية". ويتابع: "ان الانشقاق ادى إلى بروز المعتدلين من جهة والمتطرفين الذين بدأوا ينخرطون في دوامة من العنف الواسع النطاق". ويعتبر ان المتطرفين ابتعدوا عن الحركة الاجتماعية التي دعمت الحركة الاسلامية، وقد برز ذلك عبر ما حصل في البوسنة وفي الجزائر ومصر، حيث ابتعدت الحركات المتطرفة عن الشعب، مما ادى في النتيجة إلى تباعد علاقة هذه الحركات مع الشعب وليس إلى اضعاف الدولة. ويعتقد كيبيل ان اعمال العنف التي نشهدها اليوم في الجزائر او في الفيليبين تذكر بما حصل مع منظمتي "الالوية الحمراء" في الجزائر و"العمل المباشر" في فرنسا، اي انها مجموعات تغلّب عقلية العنف والجهاد على الرغبة الشعبية. ويحلل كيبيل الثورة الايرانية باعتبارها تعبيراً عن ارادة اسلامية تكللت بالنجاح، كونها شكلت عملية تلاحم بين مجموعتين اجتماعيتين، كما ان آيت الله الخميني تمكن من ان يجذب الطبقات المتوسطة والعلمانية. وفي المقابل يرى كيبيل ان هذا النجاح بدا متعذراً في الجزائر، حتى وان حظيت "جبهة الانقاذ الاسلامية" في البداية بالمنطق التوحيدي نفسه، لكن الجبهة لم تنجح في مواجهة قمع السلطة لأنها انقسمت على نفسها، بخلاف ايران حيث بقيت الحركة الثورية موحدة. ويوضح ان الوضع الراهن في ايران، ناجم عن فشل طوباوية الحركات الاسلامية، اذ ان الذين يتمسكون بالسلطة ويعتبرون انفسهم من اتباع الخميني باتوا يسمون بالمحافظين. ويتطرق كيبيل إلى النقاش الذي ورد على صفحات "الحياة"، وعبَّر بعض الاسلاميين في اطاره عن اسفهم لفشل حركتهم، متوقفاً عند اقوال ابراهيم غريبي والجدل المتعلق بعبدالوهاب افندي الذي يتمحور باستمرار حول هذه المسألة، ومفادها ان الحركة الاسلامية اليوم وخلافاً للسنوات العشر الماضية، تبحث عن تحالفات مع الاطراف العلمانيين والطبقات الوسطى. ويستعرض على سبيل المثال "اسلام الارياف" في مصر، الذي يبحث عن تحالفات مع القوى المعارضة الديموقراطية، بدلاً من السعي إلى التحالف مع "الجماعة الاسلامية". ويعتبر ان الامر نفسه ينطبق على الارض، حيث يسعى تيار "الحمائم" داخل صف الاخوان المسلمين، إلى ايجاد تحالفات على اساس مشروع ديموقراطي. أمّا الحركات الاسلامية في اوروبا فيؤكد كيبيل انها في حال انحسار، بعد الذروة التي بلغتها سنة 1995، في اطار الحرب التي اعلنها على فرنسا امير "الجماعة الاسلامية المسلحة" جمال زيتوني، فان شبكة زيتوني ألحقت ضرراً ملحوظاً بالحركة الاسلامية المعتدلة.