هناك القول: "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً". وربما ينطبق هذا على الوضع الحالي عندما نأخذ الفرق بين منظوري العالمين الى ما يجري في الشرق الأوسط. القضية الأهم من منظور الغرب، بقيادة الولاياتالمتحدة، هي نظام صدام حسين في العراق، الذي يعتبر "الصبي الشرير" في الشرق الأوسط. وكانت الولاياتالمتحدة ركزت سياستها الخارجية، بعد أحداث أيلول سبتمبر، وهي الأسوأ التي تعرفها منذ الهجوم على بيرل هاربور، على ضمان أمن أراضيها. وشكل الخوف من تصنيع العراق لأسلحة الدمار الشامل، التي قد تهدد مواطني أميركا وأمنها، الدافع الرئيسي لتحركها لاسقاط صدام حسين. وكانت زيارة نائب الرئيس تشيني الى الشرق الأوسط الأخيرة في سلسلة رحلات كبار المسؤولين الأميركيين الى المنطقة للحصول على دعم لعملية عسكرية أميركية بعد أفغانستان. المؤشرات من ادارة بوش واضحة: السؤال ليس "هل" بل "متى" تبدأ الولاياتالمتحدة حملتها على العراق. ولا يبدو ان الافتقار الى دعم عربي للحملة خفف من حماس واشنطن ل"تغيير النظام" في بغداد. المنظور الشرقي، بقيادة العالم العربي، مخالف لذلك تماماً: الخطر بالنسبة للعرب والعالم الاسلامي هو رئيس الوزراء شارون، الذي يواصل صب الزيت على النار. واذا كانت واشنطن تتطلع الى "تغيير النظام" في بغداد، فإن تل أبيب تريد "تغيير النظام" ضمن السلطة الفلسطينية. ووصف شارون ياسر عرفات بأنه "عدو"، فيما اقتحم جنوده مقر الرئيس الفلسطيني وغزت قواته الأراضي الفلسطينية. والواضح ان شارون ينوي اغتيال عرفات اذا شعر بأن الظرف مناسب. وقد قال بالفعل انه نادم على عدم اغتيال عرفات في الماضي. ولا يمنعه عن ذلك اليوم سوى معارضة الولاياتالمتحدة. وحاول الرئيس بوش وقف العنف في الشرق الأوسط عن طريق ارسال مبعوثه الخاص الجنرال السابق زيني الى المنطقة، لكن الأخير فشل وقف موجة العنف والدماء، وليس هناك أمل يذكر بأنه سيستطيع ذلك في المستقبل المنظور. وربما تنتظر واشنطن وصول العنف الى "مرحلة الانهاك" لكي تستيطع التهيئة لما تعتبره مفاوضات حقيقية. ويدور النقاش الآن على الخطة السعودية للسلام التي اقترحها ولي العهد الأمير عبد الله. وتشمل الخطة انسحاباً اسرائيلياً الى حدود 1967 مقابل اعتراف العرب باسرائيل. ووافقت القمة العربية في بيروت على الخطة التي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام. المرجح ان اسرائيل لن تقبل هذا العرض، الذي قد يكون رغم ذلك وسيلة مناسبة لحفظ ماء الوجه تجمع الطرفين على مائدة التفاوض. ذلك أن اسرائيل ترى ان حدود 1967 لا تضمن أمنها. ويرعبها احتمال عودة اللاجئين الفلسطينيين، الخطوة التي ترى انها تعنى زوالها، بل انها قلقة أصلا من وجود الاقلية الفلسطينية داخل حدودها. وهدفها الأهم هو الحفاظ على هويتها اليهودية. وما حصل في الواقع ان قوات اسرائيل، بعد وقت قصير على موافقة قمة بيروت على خطة السلام السعودية في 28 من الشهر الماضي، اقتحمت مقر الرئيس عرفات ودار القتال هناك من غرفة الى اخرى. اسرائيل بالطبع عملاق عسكري مقارنة بالمقاتلين الفلسطينيين. لكن افتراض اسرائيل ان تفوقها العسكري سيضمن "تغيير النظام" الفلسطيني، كما يريد العجوز شارون، يصطدم بفشلها في فهم نفسية الفلسطينيين والعرب عموماً. وكانت نتيجة استعمال القوة العسكرية ضد عرفات تقوية عزمه على مواصلة تحدي اسرائيل حتى الموت. عرفات بالطبع لم يعد شاباً. لكن روحه لا تزال على قوتها. وفيما يؤكد شارون ان الزعيم الفلسطيني المحاصر هو "المشكلة" يرى العرب انه الحل ويستمرون في دعمه. لكن الدعم العربي لم يصل بعد الى مستوى يتحول عنده الى دعم دولي من النوع الذي يمكنه لجم الاسرائيليين. السبب هو ان أوساط قوية في الولاياتالمتحدة تشارك شارون رأيه في ضرورة الاطاحة بعرفات، وتحمله مسؤولية فشل مبادرة كلينتون - باراك. وتتهم هذه الأوساط عرفات بالتصلب، وتدعم مساعي شارون الى ايجاد بديل له يكون بمثابة أنور السادات الفلسطيني. غير أن غياب عرفات قد يجعل المستقبل أكثر خطراً. ذلك انه قد يدفع بالمزيد من الرجال والنساء الى المشاركة في التفجيرات الانتحارية، ما يعني المزيد من تعرض الاسرائيليين الى الخطر وفشل مساعيهم لضمان الأمن. ويتساءل البعض عن أهداف اسرائيل من العمليات الحالية، وهل تقتصر على التخلص من عرفات أم تسعى الى اشعال حرب أوسع واعادة ترسيم الحدود. الوضع الآن أن مصير شعبين بيد رجلين متقدمين في السن خاضا معارك كثيرة ضد بعضهما بعضاً في الماضي. واذ يمكن لواحد منهما الانتصار حتى لو قتل، فليس للآخر ان ينتصر حتى لو استطاع قتل خصمه. ويعتبر العالم العربي ان يدي شارون ملطختان بدماء صبرا وشاتيلا، فيما يرى الاسرائيليون ان شارون زعيم صلب وعدهم بالأمن لكن فترته في الحكم تشهد العدد الأكبر من الخسائر البشرية الاسرائيلية منذ زمن طويل. وقد كان عرفات مرة صانعاً للسلام. ويمكن لشارون ان يكون كذلك اذا وضع السلاح جانباً واختار طاولة التفاوض. أدت حملة شارون على عرفات الى توحيد الموقف العربي، وهو ما أظهرته قمة بيروت. فقد أعلن العرب أولا دعم عرفات والخطة السعودية، ثم اعلنوا رفضهم لأي خطوة تستهدف دولا عربية - أي الفيتو العربي على نيات اميركا نحو العراق. وكان الهدف ابقاء التركيز على خطوات شارون. هكذا يعتبر الشرق أن شارون مصدر الخطر الرئيسي على السلام، فيما يرى الغرب ان صدام هو ذلك المصدر. ومع تصاعد الغليان في الشرق الأوسط تزداد أهمية التوصل الى اتفاق على تعريف الارهاب. واذا كان هناك اجماع على اعتبار احداث 11 أيلول سبتمبر الماضي ارهاباً، هناك خلاف على تعريف الارهاب في الشرق الأوسط، اذ تتخذ الأطراف مواقفها بناء على دوافع عرقية والدينية. ويشكل هذا الاعتماد على الدافعين الديني والعرقي خطراً حقيقياً على السلام العالمي. لكل فعل رد فعل مساوي ومعاكس. ان للغرب قوة عسكرية هائلة. وهناك تعابير جديدة في القاموس العسكري، من بينها "القنابل الذكية" و"القنابل الفراغية" و"قاطفات الزهر" وطائرات "بريداتور". وتعتمد اسرائيل على معداتها العسكرية الوفيرة لحماية مصالحها والتقليل من الخسائر البشرية. وكانت النتيجة ان الجانب الأضعف أخذ يستعمل الجسم البشري سلاحا، عندما يتحول شخص وصل الى مرحلة فقدان الخوف من الموت الى قنبلة بشرية. ويقوم رفض الفلسطينيين الرضوخ أمام القوة العسكرية المتفوقة على استعدادهم للموت دفاعا عن حقوقهم، وهم يحظون في ذلك بدعم عدد من الدول المهمة. لقد آن للأسرة الدولية أن تعيد النظر في سياستها قبل أن يغرق العالم في أزمة أوسع وأخطر. وعلى الأسرة الدولية للقيام بذلك ان تتفق على تعريف للارهاب من جهة ولحروب التحرير الوطني من الجهة الثانية. كما عليها التمييز ما بين الصراعات التي تعترف بها الأممالمتحدة وتلك التي لا تحظى بشرعية دولية. ان موت المدنيين أمر فظيع ولا بد من رفضه. لكن الحجج الأخلاقية، للأسف، لا تجدي كثيرا مع اطراف تخوض حربا حتى الموت فيما بينها. السلام في الشرق الأوسط لن يأتي عن طريق السلاح، بل من خلال المفاوضات. وربما استطاعت الجامعة العربية تشكيل مجموعة اتصال لاقناع المجتمع الدولي بذلك. وما لم يتم ذلك قد لا يكون أمام العالم سوى انتظار انهيار واحد من الطرفين أمام قوة الطرف المقابل - وهي بالتأكيد نتيجة مأسوية. * رئيسة الوزراء الباكستانية سابقاً.