للمرة الأولى تلتقي بيروت الشاعر الكردي الشهير شيركو بيكه س في أمسية شعرية نظمتها مجلة "الآداب" ونادي الساحة، وللمرة الأولى أيضاً يحقق شاعر كردستان الأول حلمه بلقاء الجمهور اللبناني. قدم شيركو بيكه س الشاعر شوقي بزيع وبدا انه على معرفة به وبشعره. واستهل بزيع كلمته بقضية فلسطين ثم تحدث عن الشاعر الكردي. ومما قال: "ما أستطيع ان اقوله على سبيل التلميح هو ان شعره يتصل اتصالاً وثيقاً بالوجدان الكردي الجماعي ويلتصق بالغ الالتصاق بعقربي الحياة والموت في تلك التضاريس الضاربة المكسوة بالشمس والدم. فالشعر عند بيكه س هو سعي دائم للالتحام بنسخ الطفولة الأم وترويض للشرايين بقوة اللغة وتهدئة لما لا يهدأ من غليان الطبيعة وفوران في العروق. انه شعر بلبلة وتفاخر، ومواءمة على حد السكين بين جنوح الذات الى فطرتها وبين رغبتها المفرطة في مقاومة الفوضى ولجم الاندفاعات ووضعها في سياق جمالي يصغي الى هندسته العذبة كما يصغي الوليد الى صوت أمه. والشاعر منذ بداياته يجد نفسه محكوماً بلعنة السلالة وقسوة الجغرافيا ودموية التاريخ التي تبحث عبثاً عن فرصة للتنفس أو فسحة للراحة. ان هذه العوامل مجتمعة هي التي تجعل الشاعر الكردي رهين قدرية شبه محتومة في الحياة كما في الشعر وتضعه، حتى من دون قصد، على طريق التعبير الملحمي والحمى اللغوية والانشاد الهادر". ثم تحدث شيركو بكلمة مقتضبة حيا فيها "روح المقاومة والصمود في جنوبلبنانوفلسطين" من دون ان يغفل وان بشيء من عتاب خفي للشعراء العرب صمتهم المطبق تجاه ما حدث ويحدث للأكراد من مجازر ومآسٍ، معتبراً ان "موت الشاعر والأديب والانسان هو صمته تجاه مأساة شعب آخر في أية بقعة من العالم... نريد حرية لكل الشعوب كما نريدها لكردستان". وبعد شكره مجلة الآداب ونادي الساحة قرأ شيركو قصيدة مهداة الى غسان كنفاني، متضامناً عبرها مع الشعب الفلسطيني. واللافت في قصيدته هذه انها تفور بتفاؤل، مستعيداً "الطريق الى صفد": "وحيث أشعلت أم سعد قنديل الغرفة/ تلونت كل الحكايات/ بلون الرمان". تعبق في قصائد شيركو رائحة تضاريس لا يعرفها الا من يستطيع ان يستحضر رائحة الينابيع، ويحس احساس السنونو ويرى ما تراه الجبال. إذ تنبعث من حروف شيركو صور أخرى لم يستطع الشعراء الأكراد قبله الإمساك بها وتملأ قصائده طيور لم ترها عدسات الشعراء الأكراد قبله الذين كانوا اقرب الى الحماسة منهم الى الابداع. فشيركو بيكو س محمل بإرث حضاري قلما استطاع شاعر كردي ان يبعثه، والأرث هذا هو ثمة تزاوج تاريخي وجغرافي بين العرب والأكراد: "حينما عاد كان وجهه ملوثاً بأغبرة الصحراء/ وكان ضياء ضفائره ورداؤه الفضي/ مغبرين بالتراب". غير ان اللافت في قصائد شيركو انها تحمل سرداً وحكائية تمتزجان شعراً هو أقرب الى الكلاسيكية شكلاً، والى الحداثة مضموناً ورؤيوياً. فعالم شيركو عابق بالطبيعة الحية التي تتحول في كثير من قصائده الى عالم آخر هو اقرب الى الصوفية . واللافت في الأمسية، ان شيركو، استطاع ان يمتلك بإلقائه الآسر جمهور القاعة من الأكراد والعرب، علماً ان الشاعر محمد سعيد حماده - الذي قام بالترجمة - استطاع بإلقائه ان ينقل نبض القصيدة بلغة عربية استطاعت ان تلامس روح القصيدة، فصفق الجمهور مرة لقصيدة شيركو الكردية ومرة لقصيدته العربية.