أبناء أهل السّلطة وبناتهم غريبو الأطوار في أي بلد كانوا، وإذا كان أهلهم يجهدون دوماً في الظهور الرّسمي فإنّ الأولاد بدورهم يعوّضون عبر اتّباع أغرب الصّرعات. واحتاج رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني إلى عام كامل ليكتشف أنّ ابنته باربرا ثقبت لسانها. لكن المراهقة إبنة السابعة عشرة تصر على أنها لا تزال فتاة جدية ورصينة على رغم اتّباعها هذه الصّرعة التي لا توحي بذلك البتّة. عندما تدخل إلى غرفة باربرا في فندق آل برلوسكوني في باريس، تكتشف غرفة مراهقة نموذجية، فهي تبعثر جينزاتها وماكياجها وأحذيتها وكلّ أمتعتها، وثيابها موقعة من كبار المصممين العالميين وفي مقدّمهم فيرساتشي. لا يتجاوز عمر باربرا السابعة عشرة، وهي فتاة تضج بالتناقضات. عندما تنهض من النوم تسارع إلى الاستحمام، ويبقى شعرها مبللاً إذ تمتنع عن تجفيفه، تضع القليل من الماكياج وتجلس كأنها ترغب في المزيد من النوم. إختارت باربرا مهنة عرض الأزياء، لذا تكون نهاراتها ولياليها متعبة في كثير من الأحيان، شاركت أخيراً مع 23 فتاة أخرى من دول عدّة بعرض الأزياء الحادي عشر في أوتيل "كرييون"، وهو حدث مهم تعرفت فيه إلى المجتمع المخملي الأوروبي. والدها سيلفيو برلوسكوني يعتبر من أكثر قادة أوروبا إثارة للجدل: فهو رجل إعلام من الطراز الأول، تقدّر ثروته ب 8.5 بليون استرليني، ويتّهمه خصومه بارتباطاته مع المافيا وقيامه بصفقات مشبوهة. لكن إبنته لا تهتم لذلك كله: "ليست هذه حياتي الطبيعية". تقول وهي تبدو متضايقة من الهدايا التي تلقتها في الفندق: "في حياتي لدي صديق وأدرس كثيراً". وتحضّر برلوسكوني لشهادة مدرسية عالية وهي تلميذة مجتهدة تتكلم الإنكليزية بطلاقة وبلكنة أميركية فريدة. يتمثّل طموحها بأن تحظى بمقعد في معهد "ماساشوسيتس" للتكنولوجيا أو في جامعة كولومبيا في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وذلك لكي تدرس ليس تاريخ الفنون بل الهندسة "سيكون الأمر صعباً ولكنني سأحاول". وتجهد برلوسكوني لإثبات هويتها الحقيقية "أنا خائفة من الفشل في تأسيس حياتي الخاصة، لكن هذا ما أنوي فعله"، وتضيف "ينظر الناس إلي وهم يرون برلوسكوني الأب، أكره أن أكون إبنة أبي. أنا فتاة عادية وأريد أن أعيش حياتي الخاصة". نادراً ما ترى برلوسكوني والدها: "أنا حزينة لأن والدي يعمل كثيرا فأنا أراه فقط يوم الأحد". ماذا يعني لها الأمر؟ "الحقيقة أنّ أبي يأتي أحيانا إلى المنزل لليلة واحدة ويتناول العشاء معنا ثم يعود الى العمل". وتضيف: "علاقتي بأبي ليست العلاقة المثالية بين أب وابنته أستطيع أن أراه كأب عندما يأتي إلى المنزل بوجه بشوش وشخصية مرحة، إنه حقاً صديق لي، وأنا وأشقائي الثلاثة نرسي معه علاقة صداقة". بسبب غياب والدها الطويل عن المنزل ترعرعت برلوسكوني وأشقائها تحت رعاية والدتها فيرونيكا التي كانت ممثّلة في صباها، لكن بعد زواجها وإنجابها أطفالاً إعتزلت التمثيل وأصبحت تفضل التنحي عن الظهور إعلامياً. تقول باربرا: "والدتي لا تحب الظهور الإعلاميّ، وحتى الآن لم يسبق أن شاهدت أحد أفلامها، إنها لا تحب أن نعرف عنها شيئاً". وتضيف: "عندما ولدت كانت والدتي في الثامنة والعشرين من عمرها، وكرست حياتها لعائلتها. والواقع أنّه كلما أستيقظ صباحاً أقول شكراً أمي لأنك هنا". أما بالنسبة الى موقف والدتها من غياب والدها المتواصل عن البيت فتقول باربرا بحزن: "لا أخال نفسي امرأة لا ترى زوجها كثيراً، أنا لا أسأل والدتي عن الأمر ولكنني أبقى الى جانبها أنا وأشقائي". من جهة أخرى تفخر برلوسكوني بوالدها، "والدي رجل ذكي، لكنّ العمل هو من أبرز هواياته". هل تتناقش برلوسكوني في السياسة مع والدها؟ "أحاول في بعض الأحيان ولكنه يربحني دائماً"، وتعترف برلوسكوني أنها تتخاصم مع والدها مثل جميع الناس "أعتقد أن الأمر طبيعيّ. فأنا لست مجبرة دائماً على موافقته الرّأي، لكنّ معظم خلافاتنا لا تتعدّى أموراً يومية صغيرة". لا تشعر باربرا بالارتباك تجاه والدها البتّة: "أنا لست أبي ولا أشعر بارتباك حياله". ماذا عن خطابه بعد حادثة 11 أيلول سبتمبر الذي قال فيه ان الحضارة الغربية أفضل من الحضارة الإسلاميّة؟ تقول باربرا: "لقد استمعت إلى خطابه، في الواقع لم يكن يعني ذلك، عليك أن تستمع إلى كامل الخطاب بالتدقيق لكي تفهم ما قصده، يقول أبي دوماً أشياء لا يجدر به قولها لكن ليس في هذه المرّة". عندما تسأل برلوسكوني عن طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني تجيب بأنها لا تملك المعطيات السياسية الكافية عنه مكتفية بالقول: "انّه محبوب بين الشعب الإيطالي". يتمتّع والد باربرا سيلفيو برلوسكوني بشخصيّة قوية وحاسمة. قال مرّة: "بسبب تاريخي الشخصي وجهودي الشخصية ومشاريعي الناجحة يمكنني القول انه لا يمكن أحداً مقارنة نفسه بي". بعدما أنهى تدريبه كمحام، أسس في إيطاليا أول تلفزيون تجاري، ثم توسع الى حقل المصارف المالية وهو الآن يملك ثلاث محطات تلفزة. تشير باربرا الى أنّ والدها ليس الشخص نفسه في البيت كما في العمل. إنه متعال لكن ليس مع عائلته وأصدقائه ولكنها تعترف بأنها تواجه مشكلات حيال هذا الأمر. "عندما كنت أنتزع ثقب لساني في المستشفى برفقة صديقي، وصل والدي فقدمته اليه كشخص عادي، فصار صديقي يشعر بأنه أدنى مني فقلت له إنني فتاة عادية وأريد أن أكون برفقته". تحبّ برلوسكوني البقاء منشغلة. فهي تغني، تعزف البيانو، تسبح، وتدرس التصوير، تحبّ الموضة وتقول إنها تجعل المرء جزءاً من الفن وهي تعشق كبار المصممين أمثال شانيل، فرساتشي، ودولتشي إي غابانا. تظهر برلوسكوني نضوجًا بالنسبة الى عمرها، ولدى سؤالها إن كانت متمرّدة، تمدّ لسانها متفاخرة بثقبه: "أملك هذا الثقب منذ ثلاثة سنوات. أمي كانت تعلم ولكنها لم تكن سعيدة بذلك، وأبي ضحك كثيراً عندما علم بالأمر". تحب برلوسكوني العمل كثيراً ولكنها في الوقت نفسه تهوى المرح والسّهر، فهي ترتاح لارتياد الملاهي الليلية ولكن برفقة اثنين من المرافقين إذ تمنعها والدتها من الذهاب وحدها: "أنا مستقلة وأثق بنفسي ولكن بما أن ذلك لمصلحتي فلن أمانع". على رغم صغر سنّها والثّقب العجيب في لسانها إلا أنّ باربرا تبدو حين ترتدي الأزياء الأنيقة لشانيل أو فرساتشي إمرأة ناضجة متكاملة الجمال وهي قريباً ستحتفل بعيد ميلادها الثامن عشر مصرّة على الإبقاء على الثّقب الغريب على رغم كلّ شيء!