باريس - "الحياة" - لم يعد زعيم "الجبهة الوطنية الفرنسية" جان ماري لوبن "ظاهرة هامشية" كما كانت الطبقة السياسية تجمع على وصفه، بل اقترب من الحلم الذي يراوده منذ تأسيس جبهته عام 1973. وهو فرض نفسه على الخارطة السياسية من اوسع الابواب. ولا شك في ان هذه النتائج اثارت ارتياح لوبن وغذت ابتسامته العريضة التي تلازم وجهه، وبعثت لدى هذا الرجل الذي اجتاز السبعينات بأعوام شعوراً بانتصار طالما ترقبه. فبعد التقلبات التي طبعت شبابه الذي امضاه بين تنظيم متطرف وآخر ومقاتلاً في الهند الصينية عام 1954 ثم في الجزائر 1956 ومشاركاً في الحياة السياسية تارة منكفئاً عنها اخرى، تحول لوبن عبر صناديق الاقتراع الى قوة يصعب تجاهلها. ومن التطرف الذي طغى على شبابه استوحى لوبن طروحاته التي يتعمد في اطارها وضع نفسه على تناقض مع كل مكونات الطبقة السياسية الفرنسية، التي يتهمها بالعمل من موقع مغاير لمصلحة الشعب الفرنسي التي يكرر انه ينبغي تغليبها على اي اعتبار آخر وانها هي التي تملي عليه مواقفه. فما يعنيه من الازمات المختلفة التي تصيب دول العالم يقتصر على تخوفه من ان تتسبب في موجات هجرة جديدة الى فرنسا. اذ ان الهجرة والمهاجرين بالنسبة اليه اصل العلة وسبب المشكلات القائمة في البلاد، بدءاً بالبطالة وصولاً الى التردي الأمني. وعلى رغم ان مواقفه تتسم دائماً بالتحريض البدائي ضد كل ما هو اجنبي وغريب، فإنه يرفض ان يوصف بالعنصري، ويقول انه يحب العرب والاجانب ... شرط ان يبقوا في بلدانهم. وهذه الطروحات شهدت باستمرار حالاً من المد والجزر، وفقاً لتقلبات الوضع السياسي الفرنسي، تلقى تأييد الفرنسيين تارة وشجبهم احياناً، وهي في احسن الاحوال لم تمكن لوبن من الوصول الى اكثر من مقعد نيابي عام 1956، ومقعد في البرلمان الاوروبي، سرعان ما فقده بعدما تقرر عام 1988 رفع حصانته النيابية بسبب تحريضه وتشكيكه بالمحرقة اليهودية. وعلى مدى الاعوام الماضية، اينما حل لوبن كانت تحل الفوضى والجدل والتشكيك في صدقيته المستمدة من سيرته ومن الغموض الذي واكب بعض مراحلها ومنها الثروة التي يقول انه ورثها عن احد رجال الاعمال الذي توفي في ظروف غامضة. لكن هذا لم يمنعه من تقديم نفسه دائماً بأنه "المنقذ"، والمصلح الفعلي لأخطاء السياسيين.