دخل قطاع السياحة المصرية مرحلة بالغة الحساسية في ضوء ما يجري من احداث في المنطقة وبات على المعنيين تدارك الموقف بصورة عاجلة حتى لا تُضاف أعباءٌ جديدة إلى الأعباء السابقة التي نتجت عن أحداث أيلول سبتمبر الماضي وأدت إلى خسارة في القطاع تتجاوز 5،2 بليون دولار. وتأثرت استثمارات سياحية في مناطق عدة تُقدر تكاليفها ببليوني دولار، بالأحداث الراهنة خصوصاً في منطقتي نويبع وطابا. انعكست الأحداث في الأراضي الفلسطينية سلباً على الاقتصاد في المنطقة عموماً والمجال السياحي خصوصاً، وتفاقمت التداعيات بصورة خطيرة منذ تحول العنف الإسرائيلي إلى ما يشبه الحرب الفعلية باستخدام أحدث الاسلحة ما وضع المنطقة في حالة بالغة التوتر. والمؤكد أن فلسطين وإسرائيل هما أكثر الدول تضرراً مما يحدث بعد تدني حاد في الحركة السياحية الوافدة إليهما إلى ما يقرب من الصفر، وتأثر الأردن بدوره، لكن بصورة أخف نسبياً، وقد لا تكون ملحوظة كون الأردن لا يعتمد بصفة أساسية على السياحة. أما مصر فقد دفعت جزءاً محدوداً من فاتورة تلك الاضطرابات العنيفة، سواء بسبب اغلاق المنافذ والحدود مع دول الجوار الشمالي الشرقي، وبالتالي الانخفاض الحاد في السياحة الوافدة من فلسطين وإسرائيل وهما عادة من الدول العشر الأكثر تصديراً للسياح إلى مصر أو بالنسبة للسياحة الاقليمية التي تأتي منها المجموعات السياحية لزيارة أكثر من دولة في رحلة واحدة التي انخفض نصيب مصر فيها، خصوصاً من المجموعات السياحية الاميركية التي درجت على زيارة مصر وإسرائيل في برنامج واحد، إذ انحسرت بصورة حادة زيارتها الى اسرائيل، وبصورة جزئية، بالتالي الى مصر. وتفسير محدودية تأثر مصر بتلك الاضطرابات المتصاعدة في عنفها، يكمن في مجموعة من الاسباب، وفي مقدمها الدور المحوري في صنع السلام والوعي الدولي بهذا الدور، ثم جهود إدارة الأزمة التي تبنتها وزارة السياحة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، ومازال تواصلها، فضلاً عن الحملة الترويجية والتسويقية والدعائية القوية التي تنفذها، بالتعاون مع القطاع السياحي الخاص، في مجموعة مهمة وواسعة من الدول المصدرة للسياح إلى البلاد. ومع استمرار الأزمة وتصاعد أعمال العنف والاضطرابات يتزايد ما تتحمله مصر من أعباء وآثار سلبية على السياحة. وفي إشارة إلى مدى تأثر السياحة بسبب الانتفاضة نجد أن الشهور من تشرين الأول أكتوبر حتى كانون الأول ديسمبر 2000 شهدت تراجعاً في معدلات النمو لكن لم تصل إلى حد الانخفاض السلبي، وذلك بفعل قوة الدفع الذاتية للشهور السابقة من عام 2000، نتيجة قوة وأثر الحملة التنشيطية المصرية والتي اسفرت عن رقم قياسي في أعداد السياح الأجانب الوافدين أكثر من 5،5 مليون سائح وبنسبة نمو مرتفعة للغاية 8،14 في المئة للعام 2000، وبما يعادل ثلاثة أمثال نسبة نمو الاقتصاد المصري وما يجاوز أربعة أمثال متوسط نسبة النمو السنوي لحركة السياحة العالمية. واعتباراً من كانون الثاني يناير 2001 بدأت معدلات الانخفاض السلبي، ومع تشكيل حكومة شارون وتصعيدها أعمال العنف ضد الفلسطينيين زادت معدلات الانخفاض حتى وصلت إلى 1،8 في المئة في نيسان ابريل 2001، ولا تزال تلك النسبة من الانحسار محدودة، إذا ما اعتبر أن الشهر نفسه سجل وصول أكثر من نصف مليون سائح أجنبي وأن الفترة التراكمية كانون الثاني - نيسان يناير - ابريل 2001 حققت ما يقرب من 8،1 مليون سائح بنسبة انخفاض أكثر محدودية 4،4 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الاسبق. ورصد الخبراء عدداً من العوامل المؤثرة بالسلب على السياحة المصرية نتيجة للأحداث في الأراضي الفلسطينية: المؤثرات المباشرة - انخفاض معدلات السياحة الوافدة من الدول المجاورة فلسطين وإسرائيل ونسبياً الأردن. - انخفاض معدلات السياحة الدولية الوافدة للإقليم بما في ذلك مصر هبوط حركة السياحة الوافدة من القارة الاميركية. المؤثرات غير المباشرة - تتمثل فيما أدى إليه تدهور الموقف السياسي والأمني في فلسطين وإسرائيل من فرص ضائعة تتمثل في إلغاء أو تأجيل سياح من أي من مناطق العالم رحلتهم أو زيارتهم للمنطقة، وتلك فرص يصعب قياسها بالدقة وإن كانت تنعكس على تباطؤ معدلات النمو، ثم الاتجاه إلى الانخفاض السلبي للنمو بنسب لا تزال طفيفة لكنها مرشحة للتزايد تفجرت الأوضاع الاقليمية بصورة أكبر. ويمكن قياس الانعكاسات السلبية للأحداث في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل على السياحة المصرية من خلال رصد مدى تأثر حركة السياحة الوافدة من إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة بتلك التطورات. - حققت معدلات التدفق للسياحة الإسرائيلية الى مصر انخفاضاً في الفترة من أيلول 2000 وحتى نيسان 2001 بمتوسط 3،67 في المئة، وإن كانت تدهورت بصورة لا سابقة لها خلال الشهرين الماضيين فقط لتنخفض الى 17 في المئة تقريبا. وجاءت السياحة الفلسطينية بعدها مباشرة من حيث نسبة الانخفاض بمعدل 7،32 في المئة، ويرى الخبراء انها انخفضت في الشهرين الماضيين الى 50 في المئة. - يأتي معدل انخفاض السياحة الوافدة من القارة الاميركية في التاريخ نفسه الذي وصل في آذار ونيسان مارس وابريل 2001 إلى ذروته بنسبة 52 في المئة، غير أن هناك خطة لاجتذاب هؤلاء عبر برامج تسويقية هادفة. رسائل متبادلة وحصلت "الحياة" على رسائل عدة بين اتحاد مصارف مصر ووزير السياحة في أيلول سبتمبر الماضي أي بعد مرور عام على الانتفاضة ورأى الوزير ممدوح البلتاجي مدى حساسية النشاط السياحي وتأثره بأي حدث دولي، مشيراً إلى تعامل الوزارة الفوري مع الانعكاسات السلبية للتدهور الراهن في الشرق الأوسط بمنطقة إدارة الأزمة منذ نشوب الانتفاضة في 28 أيلول 2000. وهو أمر حقق قرابة ثلاثة ملايين سائح خلال السبعة شهور الأولى من العام الماضي بنسبة محدودة قدرها 6 في المئة في حين تجاوزت الليالي السياحية، التي تعتبر أساس احتساب الدخل السياحي، 6،18 مليون ليلة بزيادة قدرها 3،1 في المئة بما يعكس صموداً للسياحة في الوقت الذي انهارت فيه اقتصادات السياحة في دول المنطقة بحدة.