في طليعة شعراء العصر، شاعرنا الكبير سعيد عقل الذي انجبه وطننا كما انجب سواه، فنشأ تحت سمائه واستمد من صفاء آفاقه ونضرة رياضه وعذوبة مائه ورقة هوائه آنذاك، تلاوين ما لبثت ان غدت في فؤاده وفكره معاً مزيجاً بهيجاً، حرّك قلمه وأطلق لسانه بأبيات موشاة بالسبك الوثيق واللفظ الرقيق والمعنى الأنيق. سعيد عقل، ادامه الله، شاعر ملهم صافي الموهبة يغرّد كالبلبل الولهان في الخميلة الساكنة، ويرسل تطريب الصبابة والهيام بلطافة وسلاسة وانسجام. انه ابو الرمزية في العالم العربي ورمز الوطنية بل القومية المحلّقة، بعيدة المدى. فأنشده وجدّد، وصاغ الخرائد الفرائد، وجلّى في قصائد تفيض بجدة الموضوع وبلاغة التعبير واشراق الديباجة. من كان كسعيد عقل، وثاب الخيال، وسيم البيان، لا يفوته، حتى في سنه التسعين، ان يقتنص شوارد الرؤى، ويحصرها في نطاق من المعنى الشائق الرائق، ليجلوها لعشاق الأدب، عذراء رافلة بأبهى الحلل وأسناها. الكاتب والشاعر الكبير لا يتقاعد ولا يشيخ، على كبره، يظل يزف الخريدة العصماء اثر الخريدة العصماء، ويدعم، ما استطاع، كل ما او مَنْ من شأن الارتقاء معه الى شاهقات قيم الجمال والخير والحق. ان مَنْ اخلص لله والعروبة وللمجتمع الانساني من غير ان يهمل وطنه، يوالي انشاء مقومات الحياة والوجود هذه بسخاء دافق، وبدأب في جهاده الأدبي، وبعزيمة مرهفة وعقيدة راسخة، لا يتطرق الى نتاجه وهن او فتور، ولا يخص نتاجه بشؤون احادية الجانب، او بقطر واحد. ولقد سمعناه وقرأناه يتغنّى بأوطان عربية مختلفة ويشير بوضوح الى شدة تعلقه بمختلف المجتمعات في عاداتها وتقاليدها ولهجاتها، وكل هذا عبر شعر هو الصدوح الفاتن والوحي الرقراق السلسال. من حق سعيد عقل ان يشيد خصوصاً بلبنان وزحلة، وان يروح يسبغ عليهما من جلال سليقته وفحولة صنعته، ما ملأ نفوس اللبنانيين عموماً زهواً وامتناناً، وما جعلهم يعقدون القلوب على حب ذلك الشاعر المبدع، الذي رفع لواء الشاعرية الى ذروة المجد البهيج والسؤدد البسّام. فلتهنأ دولة الشعر بشاعرها المتفوق، وليكتب الله له طول العمر، كما كتب على رصائعه حياة الخلود. لبنان - جهاد نعمان جامعي