يأتي المؤتمر العلمي السادس لجامعة فيلادلفيا، الذي تناول قضية "الحيرة والابداع/ واقع وطموحات"، عبر مشاركة ما يقارب أربعين باحثاً اكاديمياً ومبدعاً عربياً، ليضع على طاولة البحث والتشريح قضية من أشد القضايا تعقيداً في عالمنا العربي اليوم ومنذ قرن على الأقل، وفي عالمنا المعاصر عموماً. فالقضية التي تجمع حولها مبدعون ومفكرون ونقاد من جامعات عربية عدة، هي قضية يجري تناولها على غير صعيد، وفي أكثر من محور من محاور حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والمعلوماتية/ الاتصالية الحديثة. تناول المشاركون في المؤتمر القضية المطروحة، ضمن محاور أساسية، بدأت بمعالجة "الاطار والمفاهيم"، ثم المحور الاجتماعي للحرية والابداع، وتناول المحور الثالث علاقة الحرية والابداع بحرية الاتصال الجماهيري والالكتروني، وعلاقتهما بالبحث العلمي... كما قدم عدد من المبدعين شهادات في موضوع الحرية، كان أبرزها: شهادة الروائي نبيل سليمان، والشاعر عز الدين المناصرة، والفنان التشكيلي محمود صادق، والقصاص الفلسطيني زكي العيلة، والروائية هيفاء البيطار. في الإطار المفاهيمي، جاءت ورقة جهاد نعمان جامعة الروح القدس - لبنان لتميز بين الحرية والحتمية، وأصل الاعتقاد في كل منهما. ويربط نعمان الحرية بالإرادة التي تقوم في الامتثال للعقل الموهوب لنا من الله "لنبلغ شاهقات الحقائق والقيم، ومنها الحرية"، وبهذا الربط يغدو "مجال عمل الحرية في اخضاع حتمية العلل والقوى الى حتمية البواعث والأسباب". وفي الإطار نفسه، يتناول أحمد برقاوي أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق "عوائق ظهور الأنا المبدع"، ليعلن منذ البدء ان ما يميز هذا "الأنا" المبدع عن الأنا السوي، هو كون الثاني يظهر وفق الصورة المألوفة التي يحددها المجتمع، ملتزماً بقواعد "النظام المتعالي" مجموعة القيم والعادات والأفكار التي يفرضها المجتمع على الفرد والنظام السياسي، فيما الأنا المبدع "ينزاح" رافضاً سلطة النظامين، باحثاً عن عالم بديل، جاعلاً من غربته مصدر خلق وابداع. فعوائق الإبداع تتمثل - بحسب برقاوي - في المحرمات التي يضعها الدين والمجتمع والسياسة. وعلى رغم ان السلطة السياسية ليست تنتمي الى النظام المتعالي، الا ان "كل نظام سياسي، مهما بلغت درجة ديموقراطيته، هو نظام قمعي بالضرورة". وهذا القمع يطال - أكثر ما يطال - المبدع الذي لا يستطيع التخلي عن حريته، فيضطر الى الالتفاف على المحظورات. خطاب الحرية و... المجتمع المدني في الوطن العربي، كان محور أبحاث عدة في المؤتمر، ومن بينها بحث مسعود ضاهر الجامعة اللبنانية الذي انطلق من رؤية الى العلاقة بين المبدع والمثقف عموماً والسلطة تقوم على كون "السلطة السياسية تلعب الدور الأساسي في اطلاق أي مشروع نهضوي"، كأن لا تستقيم اشكالية الحرية والابداع في علاقاتها المتشابكة والمعقدة بالدولة والمجتمع، الا من طريق مؤسسات ثقافية عصرية، أو مناخ ثقافي حر يساعد على الابداع بمختلف اشكاله، ويقيم تواصلاً خلاقاً ما بين الثقافة والمثقفين المبدعين من جهة، وبين الدولة العصرية الديموقراطية والعادلة من جهة أخرى". الآثار القريبة والبعيدة المدى التي يمكن ان تترتب على ظهور التقانيات الاتصالية الجديدة في الوطن العربي، كانت محوراً من محاور ورقة فريال مهنا جامعة دمشق التي حملت عنوان "الحرية والديموقراطية في العالم العربي: منظور اتصالي"، وهي واحدة من أوراق عدة في المؤتمر عالجت هذه القضية. ففي اعتقاد الباحثة ان "هذا الفيضان النصي الالكتروني، يثير مأزقاً وجودياً لأنظمة عربية متقوقعة داخل كون خاص بها تسوده تناغمية الثبات وانسجامية الجمود، وتسيّره بنيات تنبذ التناقض والاختلاف اللذين يشكلان عوامل جوهرية في صيرورات التطور والتقدم". وجاءت شهادة الروائي والناقد نبيل سليمان "التعبير الروائي عن حقوق الإنسان"، لتؤكد مجموعة من الملاحظات المهمة، من خلال رصد واع وشمولي لخطوط النتاج الروائي العربي، منذ نشوئها، ونضج عودها في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد ظلت حقوق الإنسان، في هذا النتاج، تعني "الحقوق الطبيعية للإنسان"، ولم تتصل بالحقوق الأخرى، كما جاءت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الا بعد هزيمة حزيران 1967. وفي هذا السياق يضع سليمان مجموعة من الروايات العربية التي اشتملت على معالجة للموضوع، وفي المقابل أبرز أشكال القمع وتعبيراته في ظل السلطات العربية، وكيفية التعبير عن ذلك روائياً.