فيما العالم منشغل بحرب شارون، أُشرك "المفدال" في الحكومة. الخطوة ليست رمزية. انها تقول ان الحرب ليست ضد الارهاب، بل ضد الفلسطينيين. ضد وطنيتهم. ضد تبلورها في دولة. الاحتياطيون الاسرائيليون من رفضوا الخدمة العسكرية يضعون هذا التوجه ضمن نطاقه الاعرض: يسمّون الحرب "حرب المستوطنات". اليمين يجهر بابقاء الاستيطان عازلاً بين "أمن اسرائيل" و"ارهاب الفلسطينيين". هكذا ف "الوحدة الوطنية" التي انجذب اليها "العمل"، صارت تستقر في النقطة الوسط بينه وبين "المفدال"، أي: عند شارون. وقبلاً كانت تستقر في النقطة الوسط بين شارون و"العمل". ولنقل، من دون أوهام، إن هذا الانزياح يميناً شعبي. والتصاعد النوعي في نسبة الموافقين على أداء رئيس الحكومة يعكس ذلك. لكن هذه السياسة الشعبية، الغارقة بالدم الفلسطيني، تتمتع بمواصفات أخرى: الأمين العام للأمم المتحدة يقول: اسرائيل قد تجد نفسها في تعارض مع العالم كله. الأممالمتحدة آخر ما يعنيها. انها مضادة للمزاج الشعبي في الكون بأسره، ما خلا الولاياتالمتحدة. انها في عداء مُرّ مع الصحافة بوصفها تعبيراً عن طلب المعرفة وطلب الحرية في آن. أي: انها الحرب حين تُفلت من كل عقال فلا تطيق رقيباً ورقابةً، شاهداً وشهادة. انها تصدم وتصادم جهد المؤسسات الانسانية من طبية وخَدَمية. هذه المواصفات تقول ان زمن الحرب الشارونية يشبه أزمنة الحروب المنقضية: حيث كانت تُحاصَر المدن. يُمارَس التجويع. تنتشر الأوبئة. لا أحد خارج "الأسوار" يعرف ماذا يدور داخلها. لا وسيلة للتخفيف من آلام الضحايا. لا تمييز بين اجيال واعمار واجناس. لا اكتراث برأي عام تستدعيه الحروب الحديثة. الكلّ، الآخذ ب"الوحدة الوطنية"، ضد الكلّ الذي يقف خارجها. الصور الأفدح لهذا التوجه: العقاب الجماعي. الاذلال الجماعي. التجويع الجماعي. الانتهاك الجماعي للملكيات… لنقارن بسرعة بين ما أثارته الحرب الأميركية في أفغانستان من وعود تمتد من الاعمار والبناء الى التعليم وتحرير المرأة، وبين حرب فلسطين: الأخيرة تبدو حرباً بحتة، أي بلا أفق ولا وعد حتى لو كان كاذباً. لكن المواصفات المذكورة تعلن ان اسرائيل، للمرة الاولى، تخوض حرباً ضد المزاج العالمي: في 1948 كانت اميركا وروسيا واوروبا معها. في 1967 نجح الانتصار الساحق في تأسيس وهج قوي. في 1973 انجذبت فئات عريضة لفكرة صدّ هجوم مصري - سوري مدجج بالنفط. حتى في 1982، وعلى رغم التلطيخ اللاحق لصبرا وشاتيلا، التبس الاجتياح بالنزاع الداخلي اللبناني. الآن: هذه العوامل كلها اختفت، فيما حضر الفلسطينيون وحدهم وحدهم حرفياً مُحاصَرين منتهَكين. لكن وصف عزلة اسرائيل، وهنا الكارثة، لا يُحدث أي تعديل في الأرض وموازين القوى. صحيح أن الاحتفال لا يزال قائماً بولادة رأي عام عالمي. بدور أكبر للإعلام والشاشة. بصوت أعلى للمنظمات غير الحكومية… الا ان الصحيح ايضاً ان اسرائيل تفعل ما تفعل. وهي تفعله تبعاً لمعايير يُفترض أنها تنتمي الى زمن سابق، فيميل الأوروبيون دع الأميركان جانباً الى التفكير في امكان مقاطعتها! وهذا إشكال يحض على التفكير: التفكير في الموقع الذي تحتله الدولة العبرية، وربما هي وحدها، في العالم. وفي سائر أزمنته وأزمنته الافتراضية. والتفكير في الموقع الذي نحتله نحن، العرب، وربما نحن وحدنا، في العالم. وفي سائر أزمنته وأزمنته الافتراضية. فالدعم الأميركي، على أهميته البالغة، لا يُغني عن الانتباه الى العناصر الكثيرة الأخرى التي تستدعي التفكير والمراجعة. لكن على اسرائيل أيضاً أن تفكر: فمجتمعٌ يملك كل هذه القوة، يُستحسن أن تُرعبه قوته، بقدر ما ينبغي أن يُرعبه ضعف خصومه.