تثير رغبة العراق في استخدام النفط سلاحاً سياسياً، تساؤلات حول مدى التأثير الذي سيتركه قطع صادراته من الزيت الخام ، على خططه لتنمية قطاع النفط والغاز لديه والتي تحتاج إلى انفاق 50 بليون دولار حتى عام 2010. ويملك العراق احتياطات مؤكدة ومقوّمة تقدر بنحو 112 بليون برميل وعشرة تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي والحر والمصاحب. وتتوزع هذه الاحتياطات على 73 حقلاً في ست محافظات نفطية يُقسم اليها العراق جيولوجياً، وهي: كركوك وعين صلاح والبصرة وعانه والرافدين والصحراء الغربية. ومنذ غزو الكويت عام 1990 تعرضت صناعة تصدير النفط والغاز في العراق إلى صدمات عدة عكست المناخ السياسي الذي كانت تتأثر به. وكان أبرز حدث شهدته هذه الصناعة توقيع اتفاق"النفط مقابل الغذاء" عام 1996، والذي أتاح معاودة التصدير "رسمياً" الى الأسواق الدولية. وخلال عام 1990 كان العراق يستعد لرفع انتاجه إلى 2،4 مليون برميل بعدما كان لا يتجاوز 2،3 مليون برميل يومياً. إلا أن المقاطعة الدولية التي فرضت عليه بعد ذلك عطلت كل خططه لتطوير حقوله النفطية. ويقدّر الانتاج الحالي للعراق بنحو 8،2 مليون برميل، يذهب منها إلى التصدير نحو 2،2 مليون برميل. وتخطط الحكومة العراقية لرفع قدرات الانتاج الى ستة ملايين برميل عام 2010، علاوة على البدء في تصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق الخارجية عبر أنبوب تم الاتفاق على بنائه مع السلطات التركية. ومنذ مطلع السنة قررت وزارة النفط، مستفيدة من المناخ الاستثماري الايجابي الذي باتت تتمتع به عقود التنقيب في العراق، حفر 350 بئراً استكشافية تطويرية لتعزيز الاحتياط المؤكد والمقوّم. وحدد الخبراء العراقيون والأجانب 514 بنية جيولوجية تحمل امكانات واعدة للعثور على حقول استخراج مجزية تجارياً، وبنسبة 70 في المئة من حظوظ النجاح. ويعتبر العراق إحدى أكثر أسواق الاستثمار إغراء في مجال النفط. ولا يتجاوز ما تم استثماره حتى الآن على 120 موقعاً جرى استخراج 26 بليون برميل منها، في حين لا يزال هناك 400 موقع نفطي تنتظر القيام بعمليات الاستكشاف. ويندرج قطع النفط العراقي في إطار مواجهة أكبر وعلى قدر عالٍ من الخطورة، أكثر من أي وقت مضى، بين الولاياتالمتحدةوالعراق. ويبدو واضحاً أن واشنطن تعد العدة لتغيير النظام العراقي، وهو ما يثير المخاوف في قلوب شركات النفط التي تعتبر أن أي عمل تنقيبي قد تقوم به، قد يُلغى في حال إحلال نظام جديد سيرفض الاعتراف بالعقود المبرمة مع السلطات الحالية. وقال روبرت بريدل، المدير العام لوكالة الطاقة الدولية ل"الحياة" إن "اختلال الأوضاع في العراق في الوقت الراهن سيؤدي على المدى القصير إلى تأثير سالب على الاستثمارات الخارجية في قطاع الطاقة العراقي. لكن إذا تغير النظام أو أعقبت هذه الفترة فترة استقرار طويلة بعض الشيء، فإن الأمور ستتغير". وأضاف: "توقف التصدير سيهدد الاستثمارات أيضاً، لأن العراق بلد مغرٍ للمستثمرين، ولكن إذا كانت الاستثمارات مضمونة، فإن عدم التصدير سيعني أنه لن تكون هناك أي عوائد. وأعتقد أن شركات كثيرة ستفكر في هذه الأمر قبل أن تقدم على أي شيء في الوقت الراهن". وأشار إلى أن بين الانعكاسات الأخرى للحظر الحالي هو سعي المستوردين إلى التحول عن النفط العراق، لعدم ثباته، والاتجاه إلى مصادر إمداد أخرى. وقال: "أعتقد أن الكثيرين في السوق الدولية لا يريدون شراء النفط العراقي الآن. وقد يقلص هذا الأمر مستوى الصادرات العراقية مستقبلاً". لكن أكثر التأثيرات الايجابية لحظر صادرات النفط العراقي هو وقف الاستغلال الجائر لحقول النفط، والذي أدى إلى تخريب مكامنها الجوفية. لكن التوقف المفاجىء سيترك أيضاً انعكاسات ضارة على الحقول. وقال بريدل:"التوقف يجب أن يكون تدريجاً، لكني أعتقد أن الانتاج للسوق المحلية وللتصدير بالشاحنات عبر الحدود سيكفل بقاء الانتاج نسبياً في بعض الحقول". ويقول المحللون إن بين أكثر المتضررين، في حال استمر الحظر، ستكون مشاريع بناء أنابيب تصدير ضخمة تربط العراق بمرفأ بانياس في سورية، ومرفأ العقبة في الأردن.