أحيا بشار زرقان أمسيتين غنائيتين على خشبة مسرح "سامه" في دمشق، اطلق خلالهما عمله الجديد "اريد ان احيا". والعمل مغناة موسيقية تستمد اجواءها من "جدارية محمود درويش" بكل تجلياتها وأطيافها التراجيدية. ولعل المغني السوري الشاب في مقاربته لهذه القصيدة، يخوض مغامرة موسيقية وغنائية صعبة، تتطلب مستويات لحنية وأدائية مركبة. فالمغناة تقترب في شكلها وبنيتها من الشغل المسرحي، سواء في المشهدية او النبرة الادائية للجوقة المشاركة، والغناء المنفرد للممثلة ديمة قندلفت التي ادت دور "عناة"، كترجيع صدى لما يقوله المغني. وقد اختار بشار زرقان مقاطع من "الجدارية" تعبّر في مجملها عن عناد الشاعر في مواجهة الموت وتشبثه بالحياة، بما يشبه المونولوج الطويل بتلويناته الدرامية. وما ان يدخل في فضاءات القصيدة ويتوغل في جحيمها، حتى تأخذ الموسيقى صيغاً لحنية مغايرة، وقوالب موسيقية متوترة، بقصد نبش معنى النص الشعري في سياق درامي يفرض حضوره الآسر. ومن عمق المشهد تطل عناة بثياب بيض لتنشد: "هل كل هذا السحر لي وحدي، اما من شاعر عندي يقاسمني فراغ التخت في مجدي ويقطف من سياج انوثتي ما فاض عن وردي". وعلى رغم ان بشار زرقان ظل اميناً لمناخات القصيدة إلا انه اراد في المقابل اذكاء نبرة طربية في اللحن تكسر الايقاع الادائي للشعر، اذ ينقاد في بعض المقاطع الى ايصال الفكرة الشعرية على حساب المعادل الموسيقي. وربما ما يحسب له هو جسارته في مقاربة مثل هذا النص المركّب اساساً، والأقل ايقاعاً بين اعمال درويش الاخرى، باعتماده آلات شرقية كالعود والبزق والناي، اضافة الى الكمان والتشيلو والكونترباص، لابداع تنويعات لحنية تسمو بتأملات النص وتقابلاته ما بين البياض والجحيم، وبين الموت وارادة الحياة، اذ ينهي عمله بهذا المقطع: "أيها الموت أيها الموت أيها الموت/ هزمتك يا موت الفنون/ جميعها هزمتك وانتصرت، وأفلت من براثنك الخلود/ فاصنع بنا واصنع بنفسك ما تريد، وأنا أريد أنا أريد أريد أن أحيا". وكأن جدارية محمود درويش وهي تغنى في هذه الايام الساخنة من الانتفاضة، جاءت تعبيراً عن الاحوال، ما اذكى حماسة الجمهور الدمشقي الذي ملأ القاعة بتأثره وتصفيقه.