نجح شخص بمفرده في هز أركان المعادلة السياسية في هولندا، وحصل في انتخابات المجالس البلدية التي انتهت ليلة أمس على 34 في المئة من أصوات مدينة روتردام. كان ييم فورتاون، وتعني كنيته "المحظوظ" باللغة العربية، قد تحول إلى ظاهرة سياسية مثيرة للجدل بسبب مواقفه البالغة التطرف في معاداتها للمهاجرين، تحديداً للمسلمين منهم، ومطالبته بتعديل دستور البلاد لاستثنائهم من المساواة العادلة أمام القانون. وإذ تجاوزت انجازاته في انتخابات روتردام توقعات خصومه قبل أصدقائه، عكفت الأحزاب الهولندية على درس استراتيجية لمواجهة فورتاون ومنعه من الحصول على حق حكم المدينة، التي تعد أول ميناء في العالم وعصب الاقتصاد الهولندي المرتكز على التجارة وتوزيع المنتجات إلى انحاء العالم. وجاءت توقعات مراكز سبر الآراء لتسجل سوابق لم تعتدها البلاد، منها خسارة "التحالف الارجواني" الذي يقوده حزب العمل والليبراليون وحزب الديموقراطية الجديدة الغالبية التي تتيح لهم تشكيل الحكومة المقبلة في انتخابات أيار مايو المقبل. ومع أن التحالف الحاكم يعد خليطاً من اليمين واليسار، إلا أن الفوز الكاسح لفورتاون وملحقاته قطعا الطريق على حكم اليسار وحكم اليمين على حدٍ سواء. فاليمين الذي يمثله الحزب الليبرالي ينتظر أن يخسر 11 مقعداً نيابياً من مجموع 38، واليسار 8 مقاعد، أما حزب الديموقراطية الجديدة، فلن يحتفظ إلا بنصف مقاعده الأربعة عشر. ولكن المعركة الحقيقية التي استيقظ عليها أبناء روتردام هي مواجهة فورتاون واعاقته عن تسلم المدينة التي يريد "تنظيفها من المسلمين وحضارتهم المتخلفة"، وذلك بالسعي إلى إقامة تحالفات تكتيكية يجتذب إليها المسيحيين الديموقراطيين كشرط لازم. وقال خالد شوكات، وهو صحافي تونسي فاز على قائمة اليسار الأخضر في المدينة، إن "التحالف المقبل يجب أن يركز على مواجهة التطرف والعنصرية، ويؤسس للدفاع عن الديموقراطية لمواجهة أعدائها". ويعتبر شوكات أن فوز فورتاون "ليس ضربة حظ، بل هو نتيجة منطقية لأجواء ما بعد 11 أيلول سبتمبر والحملات التي تعرض لها المسلمون والعرب في هولندا". يذكر أن فورتاون كان حتى الأسابيع القليلة الماضية على رأس قائمة حزب جديد أسسه يدعو إلى "هولندا قابلة للعيش"، ولكنه طُرد منه مع بداية الحملة الانتخابية بعد لقاء صحافي معه في يومية "نولكسغرانت" أكد فيه نيته تعديل الدستور لاستثناء المسلمين من الحقوق المدنية، وحرمانهم من حق الحصول على المعونة الاجتماعية، واغلاق حدود هولندا وإعادة بناء مراكز التفتيش وإلغاء "معاهدة شينغن" للحدود المفتوحة في أوروبا. وشكل فورتاون بعد قطع علاقته بالحزب اليميني الجديد قائمة مستقلة تحمل اسمه خاض بها الانتخابات البلدية وحصل على 17 مقعداً، فيما حصل حزب "هولندا القابلة للعيش" على 6 مقاعد فقط. وعمل فورتاون استاذاً للسوسيولوجيا علم الاجتماع ومعلقاً سياسياً في كبرى الصحف الهولندية قبل انتقاله إلى المسرح السياسي. ويجتذب شكله الكثير من الانتباه، فهو متحدث لبق للغاية، يخاطب المشاعر الشعبوية بلغة مباشرة جلبت له أصوات الآلاف من المحتجين على رتابة الحياة السياسية في هولندا والمظهر الممل والسقيم للقادة السياسيين الذين يفتقدون الجاذبية. ووضع فورتاون، بشعر رأسه الحليق وأدائه المسرحي المدروس، عتاة الساسة الهولنديين في الزاوية، فراحوا يسعون للحاق ب"المحظوظ" قبل فوات الأوان في الأسابيع الثمانية المقبلة، حيث يتطلع فورتاون إلى أن يصبح رئيساً للوزراء، معتمداً على عقم أساليب خصومه. ويذّكر خالد شوكات بحالة ادولف هتلر الذي وصل إلى المسرح بنسبة مماثلة لفورتاون 33 في المئة من الأصوات، قبل انقلابه على الدستور والتقاليد الألمانية.