مع توجه رئيس الوزراء الهولندي بيتر بالكينينده الى الملكة بياتريس برسالة استقالة حكومته تكون هولندا قد أصدرت "شهادة وفاة" ظاهرة اليمين الشعبوي المتطرف التي سادت المسرح السياسي خلال الشهور الماضية. كان بالكينينده اضطر الى ذلك مع علمه بأن البلاط الملكي في حال حداد على وفاة الأمير كلاوس زوج الملكة قبل تسعة أيام، بعد فشله في رأب الصدع الذي تعرضت له حكومته منذ بضعة أسابيع إثر انهيار الكتلة اليمينية التي تعرف باسم "لائحة بيم فورتاون" وهو مؤسسها الذي اغتيل في السادس من أيار مايو الماضي على يد ناشط مهووس بالدفاع عن البيئة. ولم تثر السرعة الصاروخية في سقوط سمعة "اللائحة" أية دهشة في الوسط الانتخابي خصوصاً ان مؤشرات الاستطلاع السياسي أكدت منذ أسابيع تلاشي شعبية المجموعة وبروز عناصر ضعفها البنيوي بعد فشلها في الانتقال من حركة احتجاج تلقائي الى حزب سياسي منظم. وكان مخضرمو السياسة الهولندية متفائلين جداً في تنبؤهم بسقوط الظاهرة خلال عام واحد بعدما أثبتت الأحداث انها "تتلاشى مثل زبد البحر" كما ذكر أحد المعلقين. وعبثاً حاول زعماؤها إلقاء اللوم على الأحزاب الشريكة لها في التحالف الحاكم، خصوصاً الحزبين الديموقراطي المسيحي والليبرالي، فالخلافات في صفوفها لم تتوقف منذ أسابيع الى أن شُلت الحكومة الهولندية بسببها. وحاول رئيس الوزراء اعطاء فرصة لأركانها لسلوك مسار عقلاني يحفظ ثقة الشعب بأداء الحكومة. فقبل ثلاثة اسابيع طُرد اثنان من اعضاء الكتلة البرلمانية للائحة وتحولا الى مستقلين، فيما تصاعدت أصوات الاتهام ضد آخرين منهم بالحصول على مقاعدهم بواسطة "الرشوة". وفي هذه الأثناء وقف نصف نواب الكتلة البرلمانية مع التحقيق بشأن هذه التهم فيما أصر النصف الثاني على تجاهلها. وانقسم وزراء الكتلة وفقاً لتلك الاستقطابات، فوقف وزير الاقتصاد هرمان هاينسبرك ضد رئيس الكتلة البرلمانية وعنفه على "سذاجته وعدم مقدرته على ادارة الأزمة". ولم تبق التشظيات شيئاً يذكر بملامح ذلك التيار الصاعد الذي حطم هيمنة الأحزاب التقليدية وانتزع المكان الثاني في الانتخابات الوطنية في 15 أيار الماضي. ولم تنتظر هذه الاحزاب طويلاً بعدما بلعت الاهانة واضطرت الى التحالف مع اللائحة بهدف الاجهاز عليها، واخراجها من السلطة والدعوة الى انتخابات جديدة في كانون الاول ديسمبر المقبل. ومع انتهاء شهر العسل لليمين الشعبوي في هولندا عاد الناخبون الى رشدهم وضربوا صفحاً عن معاقبة الطبقة المخضرمة على غطرستها وألاعيبها. لكن الأحزاب التقليدية لم تستخلص بعد العبر والدروس من هزيمتها، إلا أن انهيار اليمين المتطرف بجناحه الشعبوي أعاد اليها بعض الثقة.