في اطار دراسة اقليمية ميدانية قام بها مركز دراسات اللاجئين - جامعة أوكسفورد بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية نشرت نتائجها في أيار مايو الماضي، حاول المركز استطلاع أوضاع الأطفال اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تجمعاتهم. وحملت الدراسة عنوان "الأطفال والمراهقون في الأسر الفلسطينية - العيش في ظل تأثيرات النزاع طويل الأمد والهجرة القسرية". وشملت أماكن تجمعات الشتات الفلسطيني في كل من لبنان والأردن وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي الأماكن التي تشكل التجمعات الفلسطينية الأكبر. وباشرت مجموعات البحث العمل الميداني في حزيران يونيو 1999 وانتهت في نيسان ابريل 2001. واهتمت الدراسة بالأثر الذي يتركه النزاع الطويل الأمد والشتات على الطفولة الفلسطينية، ومن أجل معرفة التأثيرات المختلفة لهذا النزاع، اعتمدت تجربة ثلاثة أجيال من الفلسطينيين والتحولات التي جرت على تجربة الطفولة والمراهقة على هذه الأجيال. وسعت الدراسة للتعرف على ما يطرأ على حياة الأطفال والمراهقين عندما يقتلعون وأسرهم ويهجرون بالقوة. وترفض الدراسة اعتماد البحوث الخاصة بالأطفال والمراهقين المعتمدة على النماذج الغربية للطفولة ولنمو الطفل. والسبب الرئيس لهذا الرفض، يقوم على رفض مبدأ أساس ترتكز عليه هذه النماذج، وهو الاعتقاد بأن لجميع الأطفال في كافة أنحاء العالم الحاجات الأساسية نفسها، وأنهم يمرّون بمراحل النمو نفسها، وأن لهم ردود الفعل نفسها تجاه النزاع المسلح والهجرة القسرية، وانهم يستخدمون استراتيجيات التغلب على المصاعب نفسها. وهذه البحوث ذات الأساس الغربي المتعلقة بنمو الطفل غير شمولية، وهي لا تستوعب تجربة مثل التجربة الفلسطينية لها خصوصيتها. كما ان الأطفال لا ينتقلون في شكل آلي عبر النمط التتابعي نفسه لمراحل النمو بحسب هذه النماذج. والاستبيان الذي طبّق على الأطفال في غزة كشف عن تركيز قوي للأمور التي تشغل بالهم على المجتمع المحلي بدلاً من التركيز المتوقع على الذات كما هو في النماذج الغربية. وقد أظهر النقاش الأولي مع مسؤولي برنامج اليونيسيف في المنطقة ان القضايا التي تشكل الأساس الذي يحدد برامجهم يجري تقريرها من جانب المقر الرئيسي لمنظمتهم وأنها تقوم على الافتراضات الغربية حول النمو الملائم للطفل بدلاً من تفهم السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي حيث تحدث هذه الظواهر. والبرامج الموجهة تحديداً للأطفال والمراهقين اللاجئين الفلسطينيين محدودة، ولا تقوم على أساس الأولويات المحلية. ويدل هذا على قرار تنفيذ تلك البرامج صدر من أعلى الى أسفل، حيث تم تحديد الفكرة الرئيسة التي تحملها في المقر الرئيس قبل الاتصال بأعضاء المجتمع المحلي وطلب مشاركتهم أو قبل معرفة رؤيتهم لحاجاتهم وأولوياتهم. فمثلاً، ان مواد "الأبوة الصالحة" المصاحبة لبرامج المنظمات الدولية وضعت بناء على نموذج نظري، يرى ان "مراحل النمو" الغربية ظاهرة شمولية، وبالتالي يقسم الفئات العمرية الى مراحل محددة على مقياس النمو ويرفق معها صوراً وأشكالاً لأطفال من الطبقة الوسطى وهم يأكلون طعاماً صحياً ومكلفاً. فمعظم أطفال اللاجئين يعيشون في ظروف بؤس وفقر، وبالتالي فإن هذه الصور تبرز "ما لا يملكونه" كجماعة غير محظوظة على نحو خاص وسط المجتمع ككل. اضافة الى ذلك، فإن المفاهيم التي تحدد من هم "الأطفال" و"الشباب" و"الراشدون" هي مفاهيم تصاغ اجتماعياً وتاريخياً. نفذت الدراسة على 20 أسرة في كل منطقة، تشمل بين أعضائها ثلاثة أجيال على ألاّ يقل عمر الجيل الأول عن 11 عاماً في عام النكبة، وأن تعكس هذه الأسر مستويات اقتصادية متنوعة. وقامت الدراسة على تجميع روايات شخصية وسير حياة الأطفال والراشدين مع التركيز على الوقائع الحرجة في حياة الأجيال المختلفة ضمن الأسرة الواحدة، من خلال اجراء مقابلات مع جماعات طبيعية من الرجال والنساء والأطفال في البيوت والمدارس. والنتائج التي خلصت اليها الدراسة تعكس الواقع الذي يعيشه الأطفال والمراهقون في التجمعات الفلسطينية في الشتات. وكان من أبرز الطروحات المشتركة القلق الواسع على هويتهم الفلسطينية كسكان مخيمات، ويتزاوج اللاجئون من بعضهم للحفاظ على هذه الهوية. وقد اعتبر معظم الشباب الهجرة خياراً ممكناً لتحسين حياتهم. كما أبرزت الدارسة التمييز الجنسي عند المراهقات، حيث تتعرض الفتيات لتقييد حركتهن وحريتهن في التعبير عن أنفسهن، حيث الأهل أكثر تسامحاً مع الذكور، بخاصة اعطاء الذكور اولوية في فرص التعليم. كما كشفت الدراسة عن ممارسة كبيرة للعنف واساءة المعاملة في المدارس والمنازل، وهو يمارس في المدرسة كعقوبة وفي المنزل وسيلة لضبط السلوك الاجتماعي. كما بينت الدراسة ادراكاً مشوّهاً للتاريخ الفلسطيني، حيث يتم خلط التواريخ، ويعود ذلك الى خضوع الفلسطينيين في أماكن تواجدهم الى المناهج الدراسية للدول التي يعيشون فيها. وأكثر ما يظهر ذلك في تراجع المعرفة عن فلسطين بين الجيل الأول الذي خرج من فلسطين، وبين الأجيال الأخرى، وقد شكل وجود الجيل الأول عاملاً جوهرياً في نقل الهوية الفلسطينية بين الأجيال، على رغم ذلك فإن الجيل الثاني أقل معرفة بفلسطين، أما الجيل الثالث فإن معرفته ثانوية ومبهمة الى حد كبير. ويعتقد القائمون على الدراسة بضرورة صياغة أية سياسة تتعامل مع الطفولة والمراهقة الفلسطينية على الأسس التالية: الحاجة لإشراك الأطفال والمراهقين في عملية تخطيط وتصميم وتنفيذ البرامج المعدة لمصلحتهم. ضرورة ايجاد المساحات اللازمة لتمكين الأطفال والشباب من التعبير عن أنفسهم جسدياً في الملاعب والمراكز، واجتماعياً أيضاً من خلال المراكز الاجتماعية والتعليمية. تعزيز التاريخ الفلسطيني من خلال التعليم الرسمي وغير الرسمي. اقامة قنوات اتصال مفتوحة بين العائلات والمدارس للمساعدة في حل المشكلات المتعلقة بالعنف. تعزير ودعم البرامج التي تتيح لأطفال اللاجئين من لبنان وسورية والأردن وغزة والضفة الغربية ان يلتقوا ويتبادلوا الخبرات. عدم تمجيد تضحيات الأطفال ودعم مواجهتهم المصاعب مواجهة ايجابية من خلال علاقات الأقران واحترام المكان والشعور بقيمتهم في نظر المجتمع المحلي.