عقدت حديثاً ورشة عمل في قسم دراسات الشرق الاوسط في كلية سانت انتوني في جامعة اكسفورد خصصت للبحث في اوضاع الجاليات الفلسطينية اللاجئة في اوروبا. نظمت الورشة بصورة مشتركة اربع مؤسسات هي: مركز دراسات اللاجئين في جامعة اكسفورد بالتعاون مع مركز دراسات اللاجئين والشتات الفلسطيني شمل ومركز الشرق الاوسط في سانت انتوني ومركز الهجرة في جامعة ساسكس البريطانية. وتدارس باحثون وفدوا من بلدان اوروبية مختلفة في اوضاع هذه الجاليات من جوانب مختلفة بينها: ظروف ووتيرة الهجرة الفلسطينية الى اوروبا واسبابها، الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والثقافية للاجئين الفلسطينيين في اوروبا، مشاكل التواؤم والاندماج والهوية الثقافية في المجتمعات الجديدة اضافة الى الاوضاع القانونية لهذه الجاليات وتأثير سياسات الهجرة في الدول الاوروبية عليها. كذلك تناولت الورشة العلاقة مع الوطن الام والتاثير المحتمل لعملية السلام على مستقبل الجاليات اللاجئة. وفي ورقته الافتتاحية التي تضمنت نظرة عامة على اوضاع الفلسطينيين في أوروبا، قدر منسق الورشة عباس شبلاق عدد الفلسطينيين المقيمين في دول الاتحاد الاوروبي بحدود 000،150 واشار الى ان اوروبا لم تكن هدفاً لهجرة ذات شأن بين الفلسطينيين ممن اتجهوا بعد اقتلاعهم من وطنهم في عام 1948 الى الاقامة في الدول العربية المجاورة. الا ان هذا تبدل منذ مطلع السبعينات بسبب القلاقل السياسية التي اسفرت عنها حرب 1967 واحتلال اسرائيل باقي فلسطين اضافة الى أراض مصرية وسورية. ولاحظ شبلاق العلاقة بين الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في بعض الدول المضيفة وبين هجرتهم الى اوروبا وخارج المنطقة العربية عموما. وقال ان اكثر من 85 في المئة من هؤلاء هم من حملة الوثائق ممن يصنفون كعديمي الجنسية غالبيتهم من لبنان الا ان بينهم أيضا من سورية ومصر وأخيراً من المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية. الصعوبة في تحديد اعداد الفلسطينيين في اوروبا كانت احدى النقاط التي تعرض لها رالف غضبان الباحث المتخصص في مجال الهجرة في المانيا. واوضح غضبان ان عدم تصنيف اللاجئين الفلسطينيين كفئة خاصة واختلاطهم بفئات تحت مسميات اخرى مثل "القادمون من لبنان" أو "عديمي الجنسية" في الاحصاءات الرسمية هي التي تجعل من الصعوبة تحديد اعدادهم. ورجح غضبان من واقع خبرته أن تكون اعداد الفلسطينيين في المانيا، وهي الجالية الفلسطينية الاكبر في أوروبا،اقل بالواقع من الارقام المتداولة التي تضع اعدادهم بحدود 80,000 شخص. وأوضح غضبان أن الدولة اللبنانية شرعت بالتضييق على الفلسطينيين للتخلص منهم ولذا ادخلت في هذا السياق تأشيرة العودة في أيلول سبتمبر عام 1994 لعرقلة عودتهم، اذ ان جميع الموجودين خارج البلاد قبل هذا التاريخ لا يحملون هذه التأشيرة في جوازاتهم وعليهم العودة الى لبنان للحصول عليها، وامتنعت السفارة اللبنانية في بون عملياً عن اعطائها لهم. وتابع غضبان يقول ان الرئيس اميل لحود ألغى هذه التأشيرات بعد وصوله الى سدة الرئاسة بأشهر، وذلك في كانون الثاني يناير من عام 1999. واضاف أن الدولة اللبنانية صعبت ايضا شروط الحصول على وثائق سفر من سفاراتها في الخارج لدرجة جعلت هذا الامر أشبه بالمستحيل ولم يطرأ حتى الآن اي تخفيف من حدتها. وتعرض المستشار في المندوبية الفلسطينية في منظمة الاونيسكو في باريس محمد حافظ يعقوب بايجاز الى أوضاع الجالية الفلسطينية في فرنسا وهي جالية صغيرة الحجم نسبياً يقدر الباحث انها لا تتعدى 3,000 شخص. لا تعتبر فرنسا بلد اجتذاب للفلسطينيين، ربما بسبب عامل اللغة، الا انه استقر فيها عدد من الفلسطينيين زادوا في مطلع الثمانينات من دارسين وفنانين ومثقفين ورجال أعمال. ولاحظ يعقوب أن الخطاب السياسي تراجع خلال العقد الاخير في نشاط الجاليات الفلسطينية في اوروبا لصالح العمل الاجتماعي الثقافي. وان هذه الجاليات ميالة أكثر من الماضي الى تأطير نفسها كجاليات ساعية الى الاندماج ولعب دور في الحياة العامة في المجتمعات التي تعيش فيها في الوقت الذي تحافظ على نوع من الارتباط بالجماعة الأصلية التي تتحدر منها من جهة ثانية. وهو ما لاحظته أيضا الباحثة لينا محمود في دراستها للجالية الفلسطينية في بريطانيا وغضبان بالنسبة للجالية الفلسطينية في المانيا. وقدم استاذ علم الاجتماع في جامعة لا لاغونا في جزر الكناري خوسيه ابو طربوش ورقة فريدة عن جالية فلسطينية قديمة تعيش في جزر الكناري. وارتبط وجود هذه الجالية اساساً مع الهجرة العربية من الولايات العثمانية في مطلع القرن الماضي الى اميركا حيث استعملت جزر الكناري كمحطة. وزادت اعداد هؤلاء خلال الثلاثينات إذ وصلت اعدادهم الى بضع مئات هاجر بعضهم لاحقا الى اميركا اللاتينية وبعضهم استقر في الكناري. ووصلت اعداد اضافية بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 لتلتحق باقارب لهم ما زالوا يعيشون في هذه الجزر. واعطت الصحافية الفلسطينية المقيمة في السويد دلال عبدالغني وصفاً شاملاً ودقيقاً لأوضاع الفلسطينيين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في السويد، وتأثير الهجرة على شخصيتهم وانتمائهم. وفي رأي عبدالغني أن اللاجئين الفلسطينيين في السويد يمثلون - ربما أكثر من غيرهم- النموذج الاوضح لأزمة الهوية لدى الفلسطينيين في المهجر وما يمكن أن يواجهه هؤلاء من مخاطر نتيجة لذلك. ويتضح من ورقتي غضبان وعبدالغني ان نسبة العاطلين في الجاليات الفلسطينية في كل من المانياوالسويد تزيد عن 70 في المئة بينما تقل نسبة من يواصل التعليم الثانوي من ابناء هذه الجاليات عن 5 في المئة. البطالة ومشكلة التواؤم في المجتمع الجديد كانت ضمن النقاط التي اثارها أيضا الباحث محمود عيسى حول الفلسطينيين في الدانمارك . واشار عيسى الى الصور النمطية السلبية للمهاجرين - وبينهم الفلسطينيون- التي تساهم وسائل الاعلام الدنماركية وبعض السياسيين في تقديمها لدى الراي العام. وعرضت الباحثة الفرنسية بينيلوب لارزيليير نتائج مسح اعدته حول الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الالمانية والفرنسية. ولاحظت أن عددهم في المانيا يزيد عن 5000 ويقل عن 300 في فرنسا وهم في المانيا ابناء عائلات مقيمة هناك ويعتمدون في تمويل دراستهم على المصادر المحلية المتاحة والفعالية الاجتماعية بينهم عالية كما يتفاعلون مع الوطن الام في فلسطين على عكس الدارسين في فرنسا حيث يعتمدون في الغالب على مساعدة عائلاتهم التي تعيش وتعمل خارج فرنسا ويعيشون كأفراد يفتقدون الفعالية الاجتماعية والتنظيمية. وعالجت الباحثتان مونيكا خضور وفادية فضة في دراستهما عن وضعية المرأة الفلسطينية اللاجئة في المانيا ممن يلتحقن بالغالب بازواجهن او بعائلاتهن. واشارت الباحثتان الى الضغوط المركبة التي تواجهها المرأة اللاجئة نتيجة العزلة التي تعيشها في مجتمع جديد وغريب عليها وعدم القدرة على التواؤم مع قيم المجتمع الجديد. وركز المحاضر في علم السكان في جامعة بيرزيت شريف كناعنة في ورقته على مشاكل عديدة تهدد الهوية الفلسطينية في الشتات بسبب عدم وجود دولة خاصة تحافظ على الهوية وتصونها من الضياع، وبسبب عدم اعتراف جزء كبير من العالم بالهوية الفلسطينية. ورأى كناعنة ان هناك علاقة قوية بين التراث الشعبي والهوية، وان الجهل بالتراث الخاص بها يعرض اي مجموعة لخطر فقدان هويتها الخاصة بها. وتحدث المحاضر في جامعة ادنبرة ابراهيم مهوي عن دور اللغة والخطاب في تشكيل الواقع. وشدد على اهمية الترجمة في تحديد المفاهيم السائدة خاصة بالنسبة للغة الانكليزية، لغة "وعد بلفور"، التي تشير الى الفلسطينيين، وهم غالبية ملاك الارض باعتبارهم "السكان غير اليهود الموجودين في فلسطين". وهي تشير الىهم وتعرفهم باستعمال المصطلح السلبي "غير" بما معناه انهم شعب من غير السكان الاصليين. وبذلك جعل "وعد بلفور" من الشعب الفلسطيني شعباً مهاجراً في ارضه قبل الشتات والهجرة فعلياً. ولاحظت الباحثة في جامعة لندن لينا محمود ان الجالية الفلسطينية في بريطانيا تتسم بالنشاط والحيوية والميل الى التعليم. وهي جالية ناجحة اقتصاديا بصورة عامة على رغم ما بينها من تفاوت بين الرعيل القديم ومن استقر حديثا من اللاجئين. وتناول ساري حنفي من مركز "سيداج" الفرنسي للابحاث في ورقته العلاقة بين مجموعة رجال الاعمال والمهنيين الفلسطينيين في الشتات والكيان الفلسطيني. وقدمت غادة الكرمي العضوة المشاركة في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، نبذة عن تجربتها الخاصة في الهجرة القسرية من فلسطين، إذ ان عائلتها هجرت من منطقة القطمون الواقعة الآن في القدس الغربية. واعطت الكرمي حساباً شخصياً انسانياً لعملية التمزق بين ثقافة الوطن الأصلي والثقافة الاوروبية التي تعرض لها الفلسطينيون المشردون في انحاء العالم والتي ما زالت اجيالهم المتحدرة تواجهه. وتناولت المديرة العامة لمركز التخطيط الفلسطيني في غزة سلافة الحجاوي في ورقتها مسألة التمثيل وأهميتها بالنسبة للفلسطينيين. وقالت أن غياب هيئة رسمية تمثل الفلسطينيين وتدافع عن حقوقهم بعد اقتلاعهم من وطنهم عام 1948، ادى الى اضرار كبيرة بقضيتهم واستطاعت اسرائيل التملص من تطبيق قرارالأمم المتحدة رقم 194 الخاص بعودتهم الى بلدهم.