خمسة فنانين تشكيليين من جدة المملكة العربية السعودية عرضوا اعمالهم 76 لوحة اكريليك على قماش وجلد مع تقنيات مختلفة في صالة قصر الأونيسكو في بيروت وعكسوا في تجاربهم اهتماماً ملحوظاً بالتقنيات والمواد والخامات، بحثاً عن تأثيرات بصرية جديدة على مقربة من ايهامات ألوان الصحراء والقفار ومناخات التراث والحياة الشعبية. تجارب يجمعها عنوان واحد هو "مساحات من الذاكرة". ولعل العنوان يتعدى المعرض الحالي ليشمل تجارب سعودية شابة وهي كثيرة تشغلها الهواجس ذاتها سبق وأطلت في معارض جماعية متفرقة اقيمت على التوالي في بيروت لا سيما في الفترة الأخيرة، تحت عناوين المدن التي اتت منها. ما يشير الى زخم الفن الشاب الذي اخذ ينمو في مختلف المدن السعودية، بعيداً من مركزية العاصمة التي لم نر فنانيها الى الآن، ربما تظاهرة ثقافية كبيرة على مستوى الأجيال الفنية أو أسئلتها الراهنة، خير من معارض متفرقة. تنوع في التقنيات تغيب السطوح الناعمة عن تجارب هؤلاء الفنانين، وبدلاً منها تتفتح قماشات متنوعة تكشف عن دواخل خشنة مملوءة بأشكال مركبة، سواء كانت عجائن لونية او خيوطاً من الليف ونسيج الخيش عبدالله نواوي ومحمد الشهدي او من الشاش الناعم والقرطاس سعيد العلاوي أو قطعاً من السدو فايز أبو هريس. تتجلى ملامح التجربة في اعمال اللصق التي تعتبر خطى أولية لتأهيل المسطح التصويري للوحة بما يتناسب مع موضوعها، فضلاً عن التقنية اللافتة التي تستخدمها الفنانة ايمان يماني في صناعة معلقات من قطع ملبوسات تراثية أو لوحات تشبه التمائم لأشكالها الطوطمية. إذ تتوسل جلد الجمل مسنداً بدلاً من القماش التقليدي، ثم تحرق على ظاهره بالقلم، فتنشئ حدائق من الحروف والكتابات والزخارف، تجعلها على سطح مقبب، أو تبسطها وتقصها، فتعطيها اشكالاً هندسية متنوعة لمتدليات ومعلقات، ذات مظاهر بدائية ساحرة أو فولكلورية شعبية تنتمي الى الفنون اليدوية التطبيقية المحدثة اكثر مما تقيم علاقات تشكيلية مع المادة. تلك المادة الجديدة على العين التي لطالما استخدمت بشكل مذهل المغربي فريد بلكاهية والسوداني احمد عبدالعال وسواهما من فناني بلدان شمال افريقيا. اما حروفية فايز ابو هريس، فهي ترتدي حلة زخرفية فاقعة بعناصرها الكثيفة وطلاوتها اللماعة، إذ تظهر من بعد مثل سجادات شرقية حمر، في طياتها تتقلب الألوان وتتموج. يهب سعيد العلاوي فضاء لوحاته لجدران مدينته الأثرية. فيستعيدها بملء الحنين ويعيد تكوين ابنيتها بأناقة ظاهرة، ونظافة لونية باهرة. يرسم نوافذها وأبوابها وفتحاتها الصغيرة. ينشئ لها ثلاثيات ورباعيات، أو متتاليات كقصائد شعرية، لا يسمع بها احد لأنها لمتعة النظر. ينضد زخارفها ويلمع اقفالها. يستوحي خطوطها المائلة وملامسها وألوانها المغبرة وروشاناتها الخشبية المضفورة بأحلام العذارى. إنها واجهات ابنية تراثية قديمة في مدينة مقفرة إلا من معالم الحداثة التي تقضي شيئاً فشيئاً على تلك الأمكنة الجميلة التي تختلط فيها الحقائق بالأوهام، كما تختلط اساليب العيش بالكلام عن الماضي ومن ضمنه التراث. كم تبدو حارات العلاوي ملونة ومنورة كأنها اعلان لحنين لا ينتهي. ذلك الحنين يتراءى هو الآخر، في لوحات عبدالله النواوي، بأسلوب تعبيري - تجريدي ويدمج ما بين الخط الأفقي لواجهة المدينة وأشباح القامات الإنسانية التي تسكنها وتختال فيها، معتمداً على الإيحاءات التي تمنحها عناصر الكولاج مع الطبقات اللونية الكثيفة. وانتقالاً الى الفضاء التجريدي المبسط يعتمد محمد الشهدي على الشبكة التي يرميها في قعر اللوحة او على جنباتها في تشكيل تآليف تحتمل ان تكون افتراضياً صفحات من مناظر جميلة لخلاء كبير، تشغله الألوان الفاتحة ذات الإضاءات الساطعة، التي تتدرج من وسطه وضفافه الى آخر ذراه. المقصود بتلك الفرضيات ألا تحتاج الى الوصف.