لا يزال مصير اقليم كوسوفو بعد نحو سنتين وعشرة أشهر على تطبيق الإشراف الدولي، المدني والعسكري، غير واضح، ويثير الوضع غير المستقر في هذا الاقليم الصربي ذي الغالبية الألبانية قلقاً في صربيا ومقدونيا اللتين تعتبرانه مصدر كل حركة مسلحة ألبانية فيهما. وعجز أكثر من 40 ألف جندي وشرطي دولي يقودهم حلف شمال الاطلسي في وضع حدّ لفقدان الأمن واستمرار عمليات القتل وانتشار الجريمة المنظمة والممارسات "الارهابية" واستفحال التجارة غير المشروعة. ويعزى أحد الأسباب الرئيسة لهذا الوضع غير الطبيعي الى فقدان التنسيق بين الاطراف الدولية التي تتولى ادارة الجانب العسكري في الاقليم الذي قسّم الى قطاعات أميركية شرق وألمانية جنوب وبريطانية وسط وفرنسية شمال وايطالية غرب. وجاءت التصريحات الأخيرة لرئيس حكومة كوسوفو، بايرام رجبي، وهو كان من قياديي "جيش تحرير كوسوفو" وينتمي الى "حزب كوسوفو الديموقراطي" الذي يتزعمه المسؤول السياسي السابق للتنظيم العسكري هاشم ثاتشي، بالإصرار على الاستقلال وعدم الاعتراف بخط ترسيم حدود الاقليم مع مقدونيا، ليثير ضجة في منطقة البلقان، أحدثت حذراً شديداً في مقدونيا وصربيا. وعلى رغم التنديد الدولي بهذه التصريحات "المفاجئة وغير المتوقعة" ولكن "الخالية من أي أهمية"، فإنها أعطت مؤشرات الى ان المتشددين في كوسوفو يمكن ان يتصدّوا لحلول القرارات الدولية. ومع ان رئيس الاقليم ابراهيم روغوفا يمثل الاعتدال الألباني الساعي الى حلّ المشكلات بالوسائل السلمية، والرافض للعنف بكل أشكاله ومصادره، إلا أن دائرة تحرّكه محدودة جداً لسببين أولهما محلي، إذ أن التشدّد لا يزال قوياً ومتنفذاً بين الألبان، وثانيهما دولي يحد من مهمات السلطة المحلية بحيث لا تتجاوز مجال تنظيم الخدمات. ويبدو ان مسؤول الادارة المدنية الدولية الألماني ميخايل شتاينر مقتنع بأن وجود الأسلحة غير المرخصة في شكل كبير بين سكان الاقليم، يشكل خطراً جسيماً ينبغي التخلّص منه، ولذا قرّر جمع هذه الاسلحة، بكل السبل، بما فيها حملات الدهم واستخدام القوة عند الضرورة ولكن من دون عقوبات حتى 15 نيسان ابريل المقبل، ومن يعثر في حوزته على سلاح بعد هذا التاريخ يُحال الى القضاء ويواجه السجن لمدة ثماني سنوات أو غرامة لا تقل عن سبعة آلاف يورو أوروبي، ودعا حكومة كوسوفو المحلية الى ان تجعل من أولى مهماتها التعاون معه في هذا المجال. ويُشير المراقبون الى أنه في كل الاحوال، سيبقى تحديد المصير النهائي لكوسوفو معضلة، بسبب وجود مواقف دولية متباينة في شأن ذلك، اذ ان الولاياتالمتحدة تتعاطف مع هدف الألبان بالاستقلال، وهدّدت روسيا والصين باستخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار في مجلس الأمن، يتعارض مع قرار المجلس 1244 الذي يعتبر كوسوفو اقليماً متمتعاً بحكم ذاتي واسع في إطار جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية اتحاد صربيا والجبل الأسود. وتعارض أوروبا الانفصال التام لكوسوفو عن صربيا، خشية ان يحفز ذلك الاقليات المنتشرة في كل دول البلقان على تحرّكات مماثلة بعدما هدأت بعض الشيء، ما يؤدي الى اندلاع فوضى جديدة تعمّ المنطقة تُسفر عن حركة نزوح وهجرة كبيرة يزعج حتى التلويح بها عدداً من الدول الأوروبية، ولهذا عهد الاتحاد الاوروبي الى مسؤوله الكبير خافيير سولانا بمعالجة خطر النزعات الانفصالية في البلقان، وزار مرات عدة كوسوفو محذّراً الألبان من التمادي في طلب الانفصال والاستقلال، وبعدما أفلح سولانا في إقناع حكومة الجبل الأسود بالتخلي عن الاستقلال، تبقى أمامه مهمة شديدة الصعوبة في كوسوفو، يرى البلقانيون أنه سيستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام اذا نجح ايضاً في إيجاد حلّ لها، بالحصول على موافقة ألبان الاقليم بالانصراف الى المحادثات حول أي حلّ باستثناء الاستقلال.