التدهور الأمني الذي يشكل منذ مدة الهاجس الرئيس لدى الفرنسيين، اصاب امس احدى الهيئات الرسمية حيث لقي ثمانية اشخاص من اعضاء المجلس البلدي في نانتير ضاحية باريس مصرعهم وأصيب 20 آخرون بجروح، عندما أطلق مسلح النار على أعضاء مجلس البلدية الذين كانوا يعقدون جلسة في مقر البلدية. وذكر شهود عيان ان الفرنسي ريشار دورن 33 عاماً الذي يتردد عادة على مقر البلدية، لحضور اجتماعات مجلسها المفتوحة امام الجمهور، اطلق النار عشوائياً على اعضاء المجلس، عندما فضوا جلستهم عند الواحدة والربع فجراً بالتوقيت المحلي. وأفاد الشهود ان دورن استمر بإطلاق النار داخل قاعة المجلس كما لو انه اراد قتل اعضائه كافة الى ان تمكن بعض الحاضرين من السيطرة عليه. وأشاروا الى ان دورن الذي كان حاضراً منذ بداية الاجتماع الذي خصص لإقرار موازنة المجلس البلدي، لم يقدم على اي تصرف مشبوه، قبل ان يقف ويبدأ بإطلاق النار على اعضاء المجلس الواحد تلو الآخر. وذكرت الشرطة الفرنسية ان دورن من هواة الرماية وأن المسدسين اللذين استخدمهما مرخصان. اما الدافع وراء ما فعله فلا يزال مجهولاً، خصوصاً انه منذ اعتقاله يلتزم الصمت فيما يميل المحققون الى تفسير تصرفه على انه ربما يكون ناجماً عن نوبة جنون. وأفادت المعلومات الأولية التي توافرت حول دورن انه عاطل من العمل وسبق له ان شارك في مهمات انسانية في كوسوفو والبوسنة. وخيمت انباء المجزرة على الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفرنسية التي ترأسها الرئيس جاك شيراك، الذي عبر عن "تأثره الشديد"، حيال "المأساة المريعة التي اثارت صدمتنا". فيما وصف رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان اطلاق النار "بأنه مأساة مرعبة". وتوجه كل من شيراك وجوسبان الى مقر بلدية نانتير، للتعبير عن تضامنهما مع رئيسة البلدية جاكلين فربس - كازاليس، ومع ذوي الضحايا. والمرجح ان يتبع المجزرة تجدد الجدل الذي يواكب حملة الانتخابات الرئاسية، حول التدهور الأمني وسبل معالجته. فمنذ بدء الحملة الانتخابية شكّل هذا الموضوع محور تجاذب بين شيراك الديغولي وجوسبان الاشتراكي وهما المرشحان الأساسيان للانتخابات الرئاسية التي تبدأ بدورة اولى في 21 نيسان ابريل المقبل. وكان شيراك اولى مسألة التدهور الأمني وعجز الأجهزة المعنية عن مواجهته، اهمية بالغة في اطار حملته، باعتبارها نقطة ضعف اساسية في اداء حكومة جوسبان، خصوصاً منذ إسناد وزارة الداخلية الى دانيال فايان، الذي يجمع كثيرون على اعتبار ان اداءه في هذا المنصب لم يكن موفقاً. ومن المرتقب ان يسعى جوسبان الى فصل مجزرة نانتير المروعة عن الوضع الأمني العام وقطع الطريق امام محاولة استغلالها انتخابياً. وهذا بأي حال ما أوحى به رد فعل فايان العصبي على الصحافيين الذين سألوه عما اذا كان ينوي التزام اجراءات معينة من الآن فصاعداً لضمان امن اعضاء المجالس البلدية، فرد قائلاً "لا داعي للخلط بين قضية الأمن وهذه المأساة المريعة".