أرجأ رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون، للمرة الثانية خلال 24 ساعة، جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية المقرر تكريسها للبحث في مسألة السماح للرئيس ياسر عرفات مغادرة رام الله للمشاركة في القمة العربية في بيروت وقرر أن تعقد الجلسة اليوم وسط توقعات بأن ترفض غالبية أعضاء هذا المجلس طلباً كهذا. ويرى مراقبون اسرائيليون ان تلكؤ شارون في اتخاذ القرار يؤكد فشله الذريع في معالجة هذه المسألة ويكشف المأزق الذي يجد نفسه فيه ولجوءه الى حجج واهية لتبرير مماطلته، مرة بحجة عدم إيفاء الرئيس الفلسطيني بالتزاماته وأخرى بعدم رضوخ الفلسطينيين الى املاءاته وآخرها أنه ينتظر عودة وزير خارجيته شمعون بيريز من الصين لمشاورته، وهو الذي لم يأخذ برأي بيريز في مسائل أقل شأناً. واستخف رئيس الحكومة السابق بنيامين نتانياهو بما أسماه الخط المتعرج للسياسة التي ينتهجها شارون وتحديداً في عدم حسمه مسألة سفر الرئيس الفلسطيني. وكرر دعوته الى شن هجوم شامل على أراضي السلطة الفلسطينية والسماح للرئيس الفلسطيني بمغادرة رام الله ومنع عودته اليها. ونقلت مصادر صحافية اسرائيلية عن قريبين من شارون تخبطه في اتخاذ القرار "على ضوء الضغط المتواصل الذي تمارسه الولاياتالمتحدة عليه ليسمح للرئيس عرفات بالمغادرة". وتوقع وزير الاتصالات المقرب من رئيس الحكومة أن يوافق هذا في اللحظة الأخيرة على سفر الرئيس الفلسطيني الى بيروت وقال: "لا يمكن تجاهل الضغط الأميركي في هذا الصدد على رغم الانتقادات الحزبية التي قد توجه اليه". وأضافت مصادر سياسية في تل أبيب ان القرار الذي سيتخذه شارون رهن بالتطورات الميدانية كما أنه سيتأثر بنتائج اجتماع اللجنة الأمنية العليا. وقالت الوزيرة المسؤولة عن الإعلام في مكتب رئيس الحكومة تسيبي ليفنه للاذاعة الاسرائيلية ان مسألة مغادرة الرئيس عرفات لا تحتل مكان الصدارة في جدول أعمال النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني وان القرار النهائي في هذه المسألة منوط بعوامل عدة و"في مقدمها المصلحة الأميركية التي تتوافق والمصلحة الاسرائيلية في شأن العراق". وجاء موقف وزير القضاء المحسوب على أكثر وزراء اليمين اعتدالاً مئير شيتريت لافتاً حين اشترط مغادرة الرئيس عرفات "بوقف الارهاب"، مهدداً بعدم السماح له بالعودة في حال استؤنفت "العملية العدائية". ودعا شيتريت الحكومة الى القيام بعملية عسكرية واسعة تمتد شهراً يتم خلاله تنظيف الأراضي الفلسطينية من الارهاب. ونقلت "هآرتس" عن مصدر سياسي رفيع قوله ان اسرائيل، وفي حال قررت السماح للرئيس عرفات بمغادرة رام الله، "لن تمنع عودته لأن مثل هذا الاجراء لن يأتي بأية فائدة لها بل سيراه العالم استفزازاً وسيضعف موقفنا المطالب الجانب الفلسطيني بوقف العنف". الى ذلك، وجه أبرز المعلقين في الصحف العبرية انتقادات لشارون على مماطلته في اتخاذ القرار، وكتب المعلق السياسي في "معاريف" بن كسبيت ان الصلف الذي ميز سلوك شارون وجماعته وانشغالهم في مسألة كهذه عاد في نهاية الأمر على اسرائيل بالوبال: "فإذا بقي عرفات في رام الله فستتلقى اسرائيل انتقادات دولية حادة. والأميركيون سيغضبون والقمة العربية ستتحول الى عرض معاد لاسرائيل موبوء بالكراهية... وفي حال سمح له بالمغادرة فسيصل الى بيروت منتصراً ويحتل واجهة الاعلام الدولي ونضع باسرائيل في الزاوية". ودعت الصحيفة في افتتاحيتها الحكومة الاسرائيلية الى التطرق بجدية ودراسة مستفيضة الى المبادرة السعودية لأن قبولها في قمة بيروت يعني خطوة ايجابية ذات دلالة. وسخرت من استعداد شارون للمشاركة في القمة وقالت انه لو أمكن له ذلك لجاءت النتيجة كارثية حيال الفجوة بين المبادرة وبين الأفكار التي يطرحها وهي فجوة غير قابلة للجسر. ودعته الى السماح للرئيس عرفات بالمغادرة "وان يبقى هو هنا ليعالج أمننا كما يفعل بنجاح منذ سنة". ورأت صحيفة "هآرتس" ان لمشاركة الرئيس الفلسطيني في قمة بيروت أهمية خاصة "فمن هذه القمة قد يصدر اعلان بالغ الأهمية يقترح أفقاً سياسياً منطقياً لاسرائيل في مقابل انهاء الاحتلال، لكن قد تنتهي بالالتصاق بالمواقف القديمة التي غذت الصراع حتى الآن بدلا من أن تعد له، ومن الواضح ان غياب عرفات عن هذا الحدث بسبب منع اسرائيل مغادرته سيؤثر سلباً على اجواء مداولات القمة وستحدد أيضاً نتائجها". وأنهت الصحيفة افتتاحيتها بدعوة الحكومة الى الاعلان فوراً ان بامكان الرئيس الفلسطيني السفر والعودة، كما يرغب "وهكذا تبعث الى القمة المهمة برسالة أمل". وتوقعت صحيفة "يديعوت احرونوت" ايضاً ان تأتي المبادرة السعودية بتحول تاريخي في نظرة الزعماء العرب الى جوهر اسرائيل ومكانتها في المنطقة "فحسب المبادرة سيتوقف اعتبار اسرائيل جسماً غريباً وكولونيالياً وعنصرياً في الشرق الأوسط العربي وتتقبلها الدول العربية كدولة شرعية تستحق الحياة بسلام طبيعي مع جاراتها بعدما تنسحب الى حدود 1967 وتساهم في توفير الحل العادل لمشكلة اللاجئين".