في ختام أول قمة دولية من نوعها إتفق قادة ورؤساء وفود 171 دولة على خطة عمل طموحة تهدف إلى "مكافحة الفقر وتحقيق النمو الإقتصادي المستدام وتشجيع التنمية المستدامة"، لكن المؤتمر الذي إستضافته مدينة مونتيري المكسيكية على مدى الإسبوع الماضي وتوصل إلى إتفاق ب"توافق الآراء" كشف مدى تباين آراء الدول المشاركة في ما يتعلق ليس بأسباب الفقر وحسب بل وكذلك أساليب تمويل التنمية. تضمنت الخطة المسماة "بيان مونتيري" التزام الدول المشاركة العمل على "مواجهة تحديات التمويل من أجل التنمية" كخطوة رئيسية من الخطوات المفضية إلى تحقيق أهداف التنمية. وتتلخص هذه الأهداف، التي تبناها مؤتمر الألفية المشهور في أيلول سبتمبر عام 2000، في خفض عدد الناس الذين يعيشون تحت مستوى الفقر، ويشكلون الآن خمس سكان العالم، بمقدار النصف بحلول سنة 2015، علاوة على حماية البيئة وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم في الدول الأكثر فقراً. وشدد بيان مونتيري، الذي صاغته لجنة تحضيرية دولية بعد عامين من "المشاورات غير الرسمية" وتبناه مؤتمر القمة في ختام أعماله أول من أمس دون إدخال أي تعديل على بنوده ال 73، على أن "الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول 2001 فاقمت الركود الإقتصادي في العالم، ما زاد من إنخفاض معدلات النمو وبات من الملح للغاية تعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية لتشجيع النمو الاقتصادي المستدام ومواجهة التحديات البعيدة المدى للتمويل لأغراض التنمية". وأطلق البيان "شراكة جديدة بين البلدان المتقدمة في النمو والبلدان النامية" تقوم على التزام الطرفين "إعتماد سياسات سليمة وأسلوب حكم رشيد على جميع الصعد وسيادة القانون وتعبئة الموارد المحلية وجذب التدفقات المالية وتشجيع التجارة الدولية كمحرك من محركات التنمية وزيادة التعاون المالي والتقني لأغراض التنمية وتمويل الديون المقدور على تحملها وتخفيف عبء الديون الخارجية وتحسين تماسك وإتساق الأنظمة الدولية النقدية والمالية والتجارية". وتركزت الغالبية العظمى من بنود البيان على الإجراءات الواجب على البلدان النامية إتخاذها لمواجهة تحديات تمويل التنمية، لاسيما في ما يتعلق بتعبئة الموارد المحلية التي تطلب من البلدان النامية، إلى جانب إنتهاج سياسات حكيمة وإدارات رشيدة و"تعزيز كفاءة سياسات الإقتصاد الكلي وزيادة الإنتاجية والحد من هروب الأموال وتشجيع القطاع الخاص ومحاربة الفساد وجذب الإستثمارات والمساعدات الدولية وإستخدامها إستخداماً فعالاً". وفي المقابل أكد البيان على أن الدول الصناعية ينبغي أن تؤازر البلدان النامية في جهودها في مجال تعبئة الموارد المحلية من أجل التنمية والعمل على الوفاء بالتزامها تخصيص 0.7 في المئة من ناتجها القومي لتمويل المساعدات الإنمائية الرسمية وإزالة الحواجز التجارية، لا سيما فتح أسواقها أمام منتجات الدول الأقل نمواً. وشدد في السياق نفسه على ضرورة "خلق الظروف الداخلية والدولية اللازمة لتيسير تدفقات الإستثمار المباشر إلى الدول النامية والإقتصادات الناشئة". وكشف قادة الدول ورؤساء الوفود المشاركة في كلماتهم الرسمية أمام المؤتمر مواقف متباينة بحدة إزاء أسباب الفقر وأساليب تمويل التنمية، لاسيما في ما يتعلق بمسألة زيادة المساعدات الإنمائية التي تسجل حسب البنك الدولي المعني بها تراجعاً مطرداً منذ ثلاثة عقود وبلغت أدنى مستوياتها العام الفائت. وانفرد الرئيس الأميركي جورج بوش بتوجيه انتقاد شديد لنظام المساعدات الإنمائية الذي وصفه بأنه "فاشل لايقدم الكثير من العون للفقراء ويؤخر عملياً تحقيق التقدم بإتجاه الإصلاح". وقال في كلمة أمام المؤتمر أنه سيقترح زيادة المساعدات الرسمية الأميركية بنسبة 50 في المئة لكنه أوضح أن هذه المساعدات الإضافية ستضخ في حساب جديد سيطلق عليه إسم "حساب تحدي الألفية" ويخصص ل"تمويل مشاريع في الدول التي تحكم بالعدل وتستثمر في شعوبها وتشجع الحريات الإقتصادية". ومن شأن المساعدات الإنمائية الأميركية أن تقفز، في حال وافق الكونغرس على إقتراح الرئيس بوش، إلى 15 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2006 وفي المحصلة سترتفع مساهمة الولاياتالمتحدة في المساعدات الرسمية الدولية إلى 0.15 في المئة من ناتجها القومي لكنها ستظل تشكل أقل من 40 في المئة من مساهمة الإتحاد الأوروبي التي تقدر في الوقت الراهن بنحو 24 بليون دولار ومن المقرر أن تزيد بمقدار سبعة بلايين دولار سنوياً حتى سنة 2006 حين ستصل إلى 0.39 في المئة من الناتج القومي لدول الإتحاد. وإعتبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك إعلان الرئيس بوش في شأن زيادة المساعدات الأميركية مؤشراً على جدية المجتمع الدولي في التصدي لمهمة محاربة الفقر وأبدى في كلمته أمام المؤتمر بعض التأييد للدعوات التي أطلقتها الأممالمتحدة والبنك الدولي أخيراً لمضاعفة المساعدات الإنمائية إلى 100 بليون دولار كضرورة عاجلة لتحقيق أهداف التنمية، مؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة أن تعمل الدول الصناعية على تحقيق الهدف الدولي للمساعدات 7.0 في المئة من ناتجها القومي في العقد الجاري. واستمع المؤتمر للهجة حادة من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي أكد، متحدثاً باسم مجموعة ال77 من الدول النامية والصين، أن المجتمع الدولي يحتاج بإلحاح إلى إدراك أن "العالم ليس مشوهاً وحسب بل مقلوب رأساً على عقب"، لكنه شدد على أن بمقدور القادة فعل الكثير لإعادة العالم إلى وضعه الطبيعي، مشيراً إلى أن تحقيق الهدف الدولي للمساعدات سيوفر من الموارد مايكفي لتمويل التنمية البشرية وأن الكثير من الدول المدينة لاتستطيع سداد ديونها الخارجية. وجدد فيديل كاسترو حملته التقليدية على الرأسمالية واصفاً الإقتصاد العالمي أنه نظام للنهب والإستغلال بلا مثيل في التاريخ والنظام المالي العالمي بأنه "كازينو ضخم". وقال مخاطباً الدول الصناعية: "لايمكنكم إلقاء تبعة الفقر على الدول الفقيرة فليست هذه الدول من غزا ونهب ثروات قارات كاملة لقرون". وطالب الرئيس الكوبي الدول الصناعية بتوفير القروض الميسرة لتمويل التنمية في الدول الفقيرة. وأكد وزير المال والإقتصاد السعودي إبراهيم العساف تبني بلاده أهداف القضاء على الفقر وتحقيق النمو الإقتصادي المستدام وتشجيع التنمية المستدامة كخطوة أولى في مسار مستمر وطموح يهدف إلى ضمان أن يصبح القرن الحادي والعشرين قرن التنمية للجميع، لكنه شدد على التلازم بين السلام والتنمية، مشيراً إلى أن تصاعد أعمال العنف وتشديد الإغلاقات وتدمير الممتلكات والإجراءات المتشددة التي تمارسها قوات الإحتلال الإسرائيلي تسببت في الكثير من المعاناة والآلام للشعب الفلسطيني. وقال إن "السلام والتنمية يعززان بعضهما البعض".