للسينما الفرنسية طابعها الخاص ويمكن القول المتميز. فهي رائدة ما ندعوه "سينما المؤلف" التي أطلقتها مجموعة مخرجي الموجة الجديدة في الستينات مثل غودار وريفيت وتروفو وشابرول ورومير. وتنطلق سينما المؤلف من فكرة قوامها ان الفيلم هو عمل إبداعي يتأتى قبل كل شيء من مؤلف لديه الرغبة في التعبير عن فكرة ما، ويريد تحقيق ذلك عبر الفن السينمائي. وليس كما هي الحال في معظم الأفلام الهوليوودية، حيث الفيلم هو منتج صناعي تقرره الاستوديوهات ثم تبحث عمن يقوم بتنفيذه. يطلق البعض من النقاد والجمهور، الفرنسيين منهم وغير الفرنسيين، على هذه السينما أوصافاً شتى منها البطء والتعقيد والصعوبة والملل والتمركز على الذات والثرثرة. إذ يمكن لفيلم كامل في هذا المجال ألا يعتمد على الحدث والحركة بالمفهوم الشائع، وإنما على حوارات مطولة، مشادات ومناقشات بين أبطاله الذين قد لا يتجاوز عددهم أحياناً أصابع اليد الواحدة. وهذا ما قد يدفع بالبعض الى وصف السينما الفرنسية بكل ما سبق. لكن ذلك بالمقابل وبالنسبة لكثيرين، يعتبر مزايا طبعت الفيلم الفرنسي، وحققت له جاذبية خاصة ولا سيما مع مخرجين مثل ايريك رومير من الجيل الأول والثنائي بكري - جاوي من الجيل الحالي. ومع رومير، يمكننا ان نتابع احداث فيلمه "هل قلت أحداث؟!" أو بالأحرى الأحاديث المشوقة التي تتالى بين شخصيات وتدور في غالبيتها حول حكاية بسيطة في ظاهرها، عميقة في معانيها الانسانية من دون ادنى شعور بالملل، بل باستمتاع مؤكد. ولسينما المؤلف روادها المخلصون في فرنسا وخارجها منذ بدايتها وإلى الآن، ولكن يبدو ان ثمة "زبائن" جدداً لسينما فرنسية جديدة. ضد الهجمة واليوم تقف السينما الفرنسية، بأشكالها المتعددة، في وجه "الهجمة" السينمائية الأميركية وهيمنتها. ونستطيع القول انها حققت مكانة مشرفة إذ ان حصة الأفلام الفرنسية في "السوق" الفرنسية وصلت الى الأربعين في المئة. ويرد ذلك الى تنوعها وتفردها الذي لا مثيل له في بقية دول العالم. هي منذ الأربعينات لم تصل الى المستوى الذي وصلته في عام 2001 بحسب آخر الإحصائيات. لقد تجاوزت حصتها في السوق 40 في المئة. وفي قائمة الأفلام الأكثر نجاحاً، تتربع افلام فرنسية في المراكز الأربعة الأولى: "قدر إميلي بولان"، "الحقيقة إذا كنت أكذب" الجزء الثاني، "الخزانة"، و"مثياق الذئاب". وتجاوز عدد تذاكر الدخول الثمانية ملايين للفيلمين الأولين والخمسة ملايين للأخيرين. أيضاً، هناك تسعة عشر فيلماً تجاوز عدد مشاهديها المليون مقابل سبعة أفلام في عام 2000. ودلّت استطلاعات للرأي الى ان 80 في المئة من الجمهور الفرنسي يلحظ "تحسناً في مستوى الأفلام"، وأن السينما الفرنسية باتت "سهلة المنال، اكثر جاذبية وتنوعاً" وأصبح بإمكانها "ان تلمس الجمهور العريض" ولا سيما الشاب منه الذي بدأ يدير ظهره لهذه السينما. وعبّر 89 في المئة من المشاهدين عن "رضاهم التام" بعد رؤيتهم لفيلم فرنسي. وهذا النجاح لا يتحقق فقط داخل الحدود، بل ثمة ارتفاع في مستوى الإقبال على الأفلام الفرنسية في الخارج وصل الى 40 في المئة. ومن 17 مليون متفرج عام 2000 وصل العدد الى 25 مليوناً في 2001. وإضافة الى سينما المؤلف التي ما زال لها جمهورها، فإن متفرجين جدداً انضموا، وهم يقبلون على أفلام اخرى تمثل اتجاهاً جديداً في السينما الفرنسية، من نوع "تاكسي" و"الأنهار القرمزية" و"قدر إميلي..". وهذا الأخير حصد نجاحاً كبيراً ورشح لأكثر من جائزة اوسكار في الولاياتالمتحدة. كل هذه "الأرقام" دعت البعض الى اعتبار 2001 سنة "أسطورية" للسينما الفرنسية. وهم يرجعون الأمر الى تصالح الفرنسيين مع سينماهم بفضل التنوع الكبير في الخيارات: كوميديا، خيال علمي، دراما عاطفية، مغامرات، ألعاب للشباب كفيلم "ياما كاسي"، ووجود جيل جديد من المخرجين له سينما خاصة، ولا عقد لديه تجاه "المعلمين" الكبار. ويعتبر لوك بيسون عراب هذا الجيل أشهر أفلامه "الأزرق الكبير" و"العنصر الخامس". فهل نجاح الأفلام الفرنسية الحالي عائد الى أمركتها لجهة طرق الإخراج الجديدة والموازنات الضخمة المكرّسة لها والتركيز على الفخامة والنجوم والدعاية، وهي أساليب هوليوود المعروفة؟