يبدو ان الرئيس الاميركي أذعن بعد طول تمنّع. قبلاً كانت استجابته دعوة الاممالمتحدة لمضاعفة العون الى الدول الفقيرة، بائسة: اضافة 5 بلايين دولار الى المعونات الاصلية تُنفق على ثلاث سنوات. النقّاد لم يفتهم التذكير الذي يضجّ بالمرارة: لكنك ستنفق، العام المقبل، 48 بليوناً على التسلّح. آخرون أضافوا: اذاً لم تتعلّم الا القليل جداً من دروس 11 ايلول سبتمبر. اين "خطة مارشال" الجديدة التي بشّرنا بها وزير الخزانة البريطاني غوردن براون باسم "الغرب" كله؟ صحيحٌ أن الرئيس الأميركي يتعلم ببطء. إلا أنه، على الأقل، تعلم. هذا ما أعلن عنه قبل ساعات من توجهه الى قمة مونتيري في المكسيك: فقد أعلن رئيس الدولة الأغنى والأقل سخاء بين الاغنياء في تقديم العون، عن تحوّل نوعي: زيادة المساعدات الاميركية بنسبة 50 في المئة، مقابل الاستخدام الأفضل للاموال من قبل حكومات "العالم الثالث". والسياسة الجديدة اذا ما أقرّها الكونغرس، تضع الكرة في ملعب تلك الحكومات: مكافحة الفساد والهدر. شفافية اعلى. حاكمية افضل. واميركا الوسطى واللاتينية ستكون، بأكثر من معنى، مسرح الامتحان المباشر. فبوش، لدى وصوله الى البيت الابيض وعد بإيلاء اهتمام أكبر ب"الساحة الخلفية للولايات المتحدة". وفعلاً كان المسؤول الاجنبي الأول الذي يحل ضيفاً على واشنطن رئيس المكسيك، فنسنت فوكس. كما ان القمة الاولى التي حضرها جورج دبليو كانت قمة الاميركتين في كوبك الكندية. غير ان 11 أيلول اضعف الاهتمام بالجيران الفقراء، وهو ما تريد الجولة الحالية تطويقه بحيث يزور الرئيس بيرو والسلفادور، فضلاً عن المكسيك. والعناوين كثيرة من التجارة الى المخدرات الى الهجرة غير الشرعية فيما المعادلة المرغوبة تقليدياً في واشنطن: "مخدرات ومهاجرون اقل، وسلع اميركية اكثر". واذا كان من المؤكد ان تحتل الحرب الكولومبية موقعاً متصدّراً في مداولاته، خصوصاً ان الاميركان اللاتين متخوّفون من زيادة التورّط العسكري الشمالي ضد مقاتلي "فارك"، فالمؤكد ايضاً ان بوش صار، بسياسته الجديدة في المعونات، أقدر على مخاطبة مضيفيه: بات في وسعه ان يقول إنه لا يرسل السلاح والجنود فحسب الى كولومبيا، وانه يملك خططاً تربط وقف المخدرات الكولومبية والهجرات المكسيكية بحلول اجتماعية أعرض. وبالطبع لن ينسى أن يغمز المواطنين اللاتين الهيسبانك في الولاياتالمتحدة: ذاك انه، وعلى الضدّ من رغباته الاصلية، سيدعم برنامجاً يتيح لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الحصول على اقامة شرعية. والأهم، ربما، ان يتعلّم الرئيس، ولو تأخّر، ان اميركا اللاتينية التي أقبلت بحماسة على الديموقراطية في الثمانينات، تنفضّ عنها اليوم بحماسة. ولا بأس بمدّ النظرة الى جنوبي الجنوب: الى… الارجنتين.