تراجعت عمليات الدمج والتملك الدولية الى أدنى مستوى لها على الاطلاق الشهر الماضي متأثرة بسلسلة الفضائح الصاخبة التي تعرض لها عدد من عمالقة الشركات الأميركية أخيراً، علاوة على جملة من العوامل الأساسية المستمرة منذ ما يزيد على العام من ضمنها ضعف النمو الاقتصادي وتدني أرباح الشركات وانخفاض مستويات ربحية الأسهم. وبلغت قيمة صفقات الدمج والتملك الدولية المعلنة في شباط فبراير الماضي 7.4 بليون دولار كاشفة حدوث انخفاض خطير بنسبة تقترب من 68 في المئة عن الصفقات المعلنة في كانون الثاني يناير التي بلغت 23 بليون دولار، وسجلت بدورها انخفاضاً بنسبة تناهز 50 في المئة بالمقارنة مع كانون الأول ديسمبر. كان نشاط التملك والدمج شهد انتعاشاً معتدلا في الفصل الأخير من العام الماضي مقترباً من المستويات المرتفعة التي سجلها في فترته الذهبية 1999- 2000 لكن الاقتصاديين في مؤسسة "مورغن ستانلي" أكدوا في دراسة أمس أن التراجعات الأخيرة لم تقض على الانتعاش الحديث العهد وحسب بل جاءت في وقت تبدو فيه احتمالات حدوث انتعاش جديد محفوفة بالعقبات. وعزت "مورغن ستانلي" بعض أسباب التراجع الى التساؤلات التي أثارتها فضائح "انرون" العملاقة وشركات أميركية أخرى مثل "تايكو" و"غلوبال كروسينغ" ودفعت الشركات الراغبة في الاستثمار اما الى التراجع عن عقد الصفقات كلياً أو التقدم ببطء خوفا من تحمل علاوة المخاطر التي تفرض نفسها على عمليات الدمج والتملك في الوقت الراهن. ولفت الاقتصاديون الى عوامل اضافية ترتبط هذه المرة بالدورة الاقتصادية وتراوح بين ضعف النمو الاقتصادي وأرباح الشركات وتراخي أسعار الأسهم، مشيرين الى أن البوادر التي ظهرت أخيراً عن حدوث انتعاش اقتصادي في أميركا والاتحاد الأوروبي لم تترافق مع مؤشرات تعد بحدوث انتعاش مماثل في أرباح الشركات. واتسمت صفقات الشهر الماضي بصغر أحجامها وتنوعها الجغرافي لكنها كشفت في الوقت نفسه عن تفضيل المستثمر الأوروبي البقاء في منطقته وفقدان الشركات الأميركية شيئا من جاذبيتها القوية التي ضمنت لها الانفراد بحصة الأسد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة طوال الجزء الأعظم من تسعينات القرن الماضي. وعرض المصرف البريطاني "سكوتيش آند نيوكاسيلز" أكبر صفقات شباط مقترحاً تملك مصرف فنلندي في صفقة بقيمة 1.8 بليون دولار، كما عرضت شركتان أميركيتان هما "وورلبول" و"نابوروز اندستريز" تملك شركة مكسيكية وأخرى كندية في صفقتين منفصلتين قيمتهما الاجمالية 790 مليون دولار. الا أن لائحة الشركات ال 10 الأولى من الشركات الدولية التي تلقت عروضاً للتملك والدمج في شباط لم تتضمن سوى ثلاث شركات أميركية، وفي المحصلة النهائية بلغت قيمة التدفقات الاستثمارية التي غادرت الولاياتالمتحدة في الشهر المذكور 1.5 بليون دولار بينما بلغت قيمة التدفقات الوافدة 1.2 بليون دولار مرتبة على أميركا عجزاً في هذا النوع من الاستثمارات، التي تندرج ضمن ما يعرف بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، بقيمة 320 مليون دولار. ويقارن العجز الشهري المشار اليه الذي بدأ فعلياً بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر وتكرر في أربع من الشهور الخمسة الأخيرة، بفوائض استثمارية ضخمة بلغ متوسطها الشهري زهاء 12 بليون دولار عامي 1999 و 2000 وتراجعت بحدة العام الماضي، لكنها انتعشت لاحقا وأنهت العام بمتوسط شهري يقترب من 5.7 بليون دولار. وبالمقارنة مع أميركا حققت دول الاتحاد الأوروبي فائضا في استثمارات الدمج والتملك الشهر الماضي وللشهر الثاني على التوالي، اذ غادرت المنطقة في شباط تدفقات استثمارية بمبلغ لا يزيد على 70 مليون دولار بينما بلغت قيمة الاستثمارات الواردة اليها 3.1 بليون دولار. كما سجل اجمالي التدفقات المغادرة في كانون الثاني وشباط 2.3 بليون دولار انخفاضاً بنسبة 90 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي. واستبعد الاقتصاديون في "مورغن ستانلي" انتعاش عمليات الدمج والتملك الدولية قبل النصف الثاني من السنة الجارية، وذلك بفرض حدوث تحسن في أرباح الشركات في أميركا والاتحاد الأوروبي. لكن الاقتصاديين الذين يرون أن عمليات الدمج والتملك تسير من سيئ الى أسوأ أعربوا عن مخاوفهم أن تؤدي ظاهرة العجوزات الى تقييد حرية أميركا في تلبية احتياجاتها التمويلية، مشيرين الى أن أميركا تلقت عام 2000 استثمارات أجنبية صافية بمبلغ 135 بليون دولار لتغطي 30 في المئة من عجز حسابها الجاري لكن هذه الاستثمارات انخفضت الى 10 بلايين دولار في الفصول الثلاثة الأولى من 2001، ما يعادل 3 في المئة فقط من العجز المذكور. يُشار الى أن الاستثمارات الدولية في أميركا تُقدر حسب أحدث المعطيات المتاحة من وزارة الخزانة الأميركية بنحو 4.5 تريليون دولار تتوزع على الأسهم الأميركية متضمنة عمليات الدمج والتملك بواقع 36 في المئة 1.6 تريليون دولار وسندات الشركات بواقع 33 في المئة 1.5 تريليون دولار وأخيراً السندات الحكومية بواقع 31 في المئة 1.4 تريليون دولار.