حقق مؤشر "ناسداك" في الفترة الأخيرة مكاسب كبيرة فاجأت حتى أكثر المتفائلين بحدوث نهاية قريبة لأزمة شركات الانترنت التي أحرقت تريليونات الدولارات من أموال المستثمرين ودفعت بمئات الشركات إلى الافلاس. لكن عدداً كبيراً من المراقبين يتوقع حدوث المزيد من التداعيات المكلفة في الأسابيع المقبلة، فيما يرى رئيس العمليات في واحدة من الشركات الأسرع نموا في أميركا الشمالية ان الأزمة الراهنة تتيح فرصة "جيدة" لا بد لمشاريع الانترنت العربية من اقتناصها لارساء قواعدها. وكسب "ناسداك" في تداولات أول من أمس 25 نقطة 1.24 في المئة ليقفل عند مستوى 2198 نقطة ويرفع في المحصلة الأرباح التراكمية التي حققها منذ مطلع الشهر الماضي إلى 34.5 في المئة، ما يعني أن هذا المؤشر الرئيسي الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا، ومن ضمنها شركات الانترنت، استعاد نحو 10 في المئة من الخسائر المذهلة التي لحقت به مذ بلغ الذروة في آذار مارس 2000. ويولي الاقتصاديون حركة مؤشر "ناسداك" أهمية بالغة بعدما كشف صندوق النقد الدولي للمرة الأولى مدى حساسية الدور الذي تلعبه أسهم التكنولوجيا في المكونات الرئيسية للاقتصاد العالمي مثل الاستهلاك والاستثمار، لا سيما أن هذه الأسهم شكلت العام الماضي ثلث اجمالي القيمة السوقية لكل الأسهم المدرجة في أسواق المال الأميركية والتي تقدر بنحو 13 تريليون دولار مايعادل 130 في المئة من الناتج المحلي وكذلك نسبة تراوح بين 20 و 25 في المئة في الاتحاد الأوروبي واليابان. وكان اقتصاديو الصندوق استخلصوا من دراسة أولية تضمنها تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الشهر الماضي أن أسهم التكنولوجيا لعبت دور أحد المؤشرات الرئيسية لحركة الاقتصاد في التسعينات، ما يوحي أن قطاع التكنولوجيا قادر على إحداث اضطرابات عامة في النشاط الاقتصادي. وأشاروا إلى ثبوت صحة أن انهيار أسعار أسهم التكنولوجيا في أسواق المال الدولية العام الماضي قدم مؤشراً مبكراً على التباطؤ الذي يعانيه الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. وذكر صندوق النقد أن مؤشر "ناسداك" فقد 70 في المئة من قيمته في الفترة بين آذار مارس 2000 ونيسان أبريل 2001. وحسب العديد من مؤسسات أبحاث السوق، بلغت خسائر حملة أسهم الاقتصاد الجديد في الفترة المشار إليها نحو 2.6 تريليون دولار. وطاولت تداعيات الانهيار الغالبية العظمى من حملة أسهم التكنولوجيا التي تضم شركات الاتصالات والاعلام والمعلوماتية وبرامج الكومبيوتر، وتكبد قطاع شركات الانترنت بمستثمريه ومشاريعه أفدح الخسائر. إلا أن المكاسب المفاجئة التي حققها مؤشر "ناسداك" في الأسابيع الأربعة الماضية تزامنت مع تفاقم أزمة شركات الانترنت مع استمرار تزايد عدد حالات الافلاس وتراجع الاستثمارات الجديدة بحدة. وكشف تقرير لمؤسسة "ويب ميرجرز" التي ترصد صفقات الدمج والتملك أن ظاهرة الافلاس التي انحسرت قليلا في آذار استعادت زخمها بقوة في نيسان، إذ ان مالايقل عن 55 شركة انترنت أغلقت أبوابها. وكانت حالات الافلاس تراجعت إلى 44 حالة في آذار وذلك للمرة الأولى منذ تشرين الأول أكتوبر الماضي عندما طاول الافلاس 35 شركة انترنت. واعتبرت مؤسسة "ويب ميرجرز" هذا التراجع مؤشراً ايجابياً خصوصاً أن شهر شباط فبراير شهد 58 حالة افلاس، فيما سجل كانون الثاني يناير ما لا يقل عن 53 حالة. وبلغ عدد الافلاسات منذ مطلع السنة الجارية 211 شركة ومنذ بداية انهيار أسهم التكنولوجيا 430 شركة. وأظهر تقرير المؤسسة أن الشركات الناشطة في تجارة التجزئة الالكترونية استمرت في تشكيل نحو نصف الافلاسات، إلا أن ألسنة اللهب امتدت إلى الخدمات الالكترونية للمرة الأولى، حيث شملت الاغلاقات في شهر نيسان 9 شركات استشارية و7 شركات توفير خدمة انترنت، ما أحدث تعديلا ملحوظاً في لائحة الضحايا التي باتت تضم 210 شركات تجارة تجزئة و123 شركة معلوماتية و42 شركة توفير خدمة انترنت و32 شركة بنية تحتية و28 شركة استشارات. وفضلا عن تفاقم مشكلة الافلاس، سجل الشهر الماضي تراجعاً حاداً في عدد صفقات التملك والدمج الذي انخفض من 143 صفقة قيمتها نحو خمسة بلايين دولار في آذار إلى 115 صفقة قيمتها 2.6 بليون دولار في نيسان. وعكس تراجع الاستثمارات الواقع الجديد لشركات الانترنت، فمقابل 380 صفقة عقدت في الربع الأول من السنة الجارية بقيمة 13 بليون دولار، شهدت الفترة نفسها من العام الماضي 231 صفقة قيمتها 52 بليون دولار من دون حساب الصفقة العملاقة التي تملكت "أميركا أون لاين" بموجبها شركة "تايم ورنر" وبلغت قيمتها 157 بليون دولار. وانفردت شركات البنية التحتية بأكبر حصة من الاستثمارات الجديدة في الربع الأول، حيث بلغ عدد صفقاتها 132 صفقة بقيمة 9 بلايين دولار، لكن جاذبيتها الاستثمارية تراجعت في نيسان أمام شركات الخدمات الالكترونية التي حصلت على 20 صفقة بقيمة 1.23 بليون دولار مقابل 35 صفقة لها بقيمة 800 مليون دولار، فيما عقدت في الشهر نفسه 54 صفقة لشراء شركات المواقع بقيمة 475 مليون دولار، فضلا عن 6 صفقات لشراء شركات توفير خدمة انترنت بقيمة 91 مليون دولار. وعزا بعض المراقبين تراجع صفقات التملك إلى أن "السوق الأميركية لم تعد تحتوي الكثير من الوجبات الدسمة". وسلطت معطيات احصائية نشرت الاسبوع الماضي الضوء على الجانب المظلم من أزمة شركات الانترنت، حيث كشفت أن 28 في المئة من الشركات القائمة تعاني من انخفاض أسعار أسهمها إلى اقل من دولار واحد للسهم وأن نحو 1500 شركة تواجه متاعب مالية قد تضعف من أهليتها لأدراج أسهمها في "ناسداك" أو تدفعها إلى الافلاس. لكن العديد من التقارير يؤكد أن "الشركات المحظوظة" استوعبت الدرس وتبنت أشكالا استراتيجية جديدة من شأنها وضع نهاية سريعة لهذه الأزمة في ظل توافر جملة من العوامل المساعدة مثل استمرار مؤشر "ناسداك" في تحقيق المكاسب واستجابة مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الأميركي لتوقعات السوق، بإحداث خفض جديد في أسعار الفائدة الأساسي. وأظهر أحد التقارير أن "سيليكون فالي" ألغت 51.500 وظيفة في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، لكنها أضافت 57 ألف وظيفة جديدة في شهر آذار فقط. ويعتقد رئيس العمليات في شركة "واي لين" الكندية المتخصصة في تقنيات نقل المعلومات لاسلكيا بسرعات عالية سيد عمر الحمامصي أن شركات الانترنت التي تتمكن من البقاء بعد انتهاء عملية التصحيح في أسواق المال ستعود على أسس سليمة هذه المرة وتكون أقوى مما كانت عليه قبل انفجار فقاعة الانترنت. وتعتبر الشركة المذكورة رائدة في نظم توفير خدمات الانترنت لاسلكيا لكنها تأثرت بعملية التصحيح. وقال ل"الحياة" ملخصاً أزمة الانترنت: "كانت عملية التصحيح مجرد رد فعل من قبل السوق على الاسراف الذي مورس في تقويم أسهم بعض الشركات اعتمادا على توقعات من دون أسس جدية متينة. وكما كان التوسع سريعاً، كذلك جاء الانكماش سريعا وصاحبه رد فعل مبالغ فيه من الطرف الآخر المستثمرين، بحيث وجدت الشركات التي بنت توقعاتها على أسس سليمة تدفع الثمن. وأعتقد أننا رأينا القاع ومؤشر ناسداك الذي انهار أكثر مما يجب في بداية الشهر الماضي بدأ بالانتعاش". وأكد الحمامصي أن أزمة الانترنت في أميركا الشمالية قد تعرض بعض مشاريع الانترنت العربية، لا سيما في مصر، للصعوبات التي تواجهها الشركات الأميركية على صعيد التمويل، لكنها تتيح للمشاريع العربية عموما الفرصة للنمو ودعم المواقع. وقال: "أعتقد أن تباطؤ نشاط الشركات العالمية كنتيجة لما حدث في أسواق المال يخفض حدة المنافسة الأجنبية ويتيح فرصة جيدة لابد للشركات العربية من اقتناصها لإرساء قواعدها".