انخفضت الاستثمارات الدولية المباشرة في الشرق الأوسط 15 في المئة في 2008 بينما ارتفعت، في واحدة من مفارقات أزمة المال والاقتصاد العالميين، 38 في المئة في الولاياتالمتحدة مسجلة رقماً قياسيا الأعلى منذ العام 2000 وفقاً ل «مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» الذي يعتبر أهم مرجع رسمي دولي لهذا النوع من الاستثمارات المخصصة للمشاريع الإنتاجية وصفقات الدمج والاستحواذ. وذكر «أونكتاد» في تقديرات أولية نهاية الأسبوع الماضي قبيل نشر تقريره السنوي أن حجم الاستثمار الدولي في الشرق الأوسط بلغ 61 بليون دولار في 2008 منخفضاً من 72 بليوناً في العام السابق، مشيراً إلى أن المنطقة التي تضم إيران وتركيا علاوة على الدول العربية المشرقية كانت الوحيدة من بين المناطق النامية التي تقلصت حصتها من الاستثمارات المباشرة. ولاحظ أن الاقتصادات النامية أبدت صلابة في مواجهة الأزمة العالمية في 2008 رافعة حصتها من الاستثمار الدولي 7 في المئة لتصل إلى 550 بليون دولار. وفيما سجلت أفريقيا أكبر زيادة (35 في المئة) لتقفز بنصيبها إلى 72 بليوناً، استقبلت الاقتصادات الآسيوية في جنوب القارة وشرقها وجنوبها الشرقي نحو نصف استثمارات الاقتصادات النامية وتوزعت البقية مناصفة تقريباً على أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية. لكن «أونكتاد» الذي شملت تقديراته الأولية الشهور الأولى من 2009 نبه الى أن الدول النامية ستبدأ بمعايشة الآثار السلبية الكاملة للأزمة على الاستثمارات الدولية في السنة الحالية، لافتاً إلى أن الحجم الإجمالي للاستثمارات الدولية المباشرة تراجع 14.5 في المئة في 2008 منخفضاً إلى أقل من 1.7 تريليون دولار ويتوقع أن ينحسر بصورة دراماتيكية في 2009. وأوضح خبراء المنظمة أن الاستثمارات المباشرة التي تلعب دوراً أساسياً في دعم الطاقات التصديرية للدول النامية والاقتصادات الناشئة وقعت ضحية النتائج المباشرة للأزمتين المالية والاقتصادية العالميتين مثل تراجع أرباح الشركات الدولية الناشطة في هذا النوع من الاستثمار وشح التمويل على المستوى العالمي وارتفاع تكاليفه، إضافة إلى سوء الآفاق الاقتصادية خصوصاً في الدول المتقدمة. ومن الدول المتقدمة لحقت بالاقتصادات الأوروبية أكبر خسارة في تدفق الاستثمارات الدولية المباشرة، إذ تراجعت حصتها بنسبة تصل إلى 40 في المئة منخفضة إلى 660 بليون دولار من 921 بليوناً في 2007 وإن كان حجم هذه الاستثمارات ارتفع 24 في المئة متجاوزاً 100 بليون في الاقتصادات الانتقالية التي تضم دول وسط أوروبا وشرقها. وحذر خبراء «أونكتاد» في دراسة منفصلة عن آثار الأزمة العالمية من أن استعادة زخم تدفق الاستثمارات الدولية المباشرة مرهون، أقله في المدى القصير، بانحسار الركود العالمي، كاشفين عن أن تشاؤمهم في فرص حدوث انفراج قريباً يعود إلى أن الاحتمال الأرجح حالياً هو أن يبدأ الاقتصاد العالمي انتعاشاً بطيئاً في نهاية 2010 أو في 2011. لكنهم شددوا على أن الاستثمارات الدولية تملك عوامل إيجابية في صالحها، مشيرين إلى أن أهمها، وبعضها جاء نتيجة للأزمة العالمية ذاتها، يتمثل في فرص الاستثمار التي وفرها انخفاض أسعار الأصول والانهيارات التي شهدتها صناعات رئيسة مثل صناعة السيارات وتوافر السيولة بكميات ضخمة في الاقتصادات الناشئة والتوسع السريع في صناعات حديثة مثل الطاقة «الخضراء». وأسهمت العوامل الإيجابية في ارتفاع حجم الاستثمارات الدولية في أميركا بنسبة 37 في المئة في 2008 لتشارف على 320 بليون دولار. وأشارت «منظمة الاستثمار الدولي» الناطقة باسم الشركات الدولية العاملة في أميركا في هذا المجال إلى أن استثمارات العام الماضي مولت رقماً قياسياً (875 مشروعاً) من المشاريع الجديدة تركز عددٌ كبير منها في مجال الطاقة الجديدة. ولفتت المنظمة إلى أن أضخم الاستثمارات الدولية المباشرة التي استقبلتها أميركا في 2008 كان المشروع الذي أعلنته شركة «الاستثمار في التقنيات المتقدمة» الاماراتية (أبو ظبي) في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لبناء مصنع لإنتاج الموصلات الحاسوبية بالتعاون مع شركة «أدفانسد مايكرو ديفايسيس» في ولاية نيويورك بقيمة 2.8 بليون دولار. وذكر «أونكتاد» أن ما وصفه «انتكاسة» الاستثمارات المباشرة أثرت في شكل خاص في صفقات الدمج والتملك التي تعرضت حصيلتها لانخفاض حاد في كل من 2008 وبداية 2009 طاول كل القطاعات باستثناء النفط والتعدين والصناعات الغذائية. وفيما تقلص الحجم العالمي لصفقات الدمج والتملك في 2008 بنسبة 29 في المئة منخفضاً إلى 1.2 تريليون دولار تراجعت حصة الاقتصادات المتقدمة بما فيها أميركا 34 في المئة إلى نحو تريليون دولار، لكن الدول النامية عززت حصتها بنسبة 13 في المئة صعوداً إلى 182 بليوناً بلغ نصيب الشرق الأوسط منها نحو 32 بليوناً بتراجع طفيف عن 2007.