سيطر شبح "إنرون" على سوق صفقات الدمج والتملك العالمية التي صمدت بشكل ملفت للنظر أمام تداعيات هجمات 11 أيلول سبتمبر على الاقتصاد العالمي، وحققت أداء قوياً في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي لكنها تراجعت بحدة في كانون الثاني يناير الماضي إثر انهيار عملاق تجارة الطاقة وإثارة الشكوك في صدقية نظم االرقابة والمحاسبة ونزاهة الشركات الأميركية. وحسب تقرير نشرته مؤسسة "مورغان ستانلي" الاستثمارية انتعش نشاط الدمج والتملك بعد أحداث أيلول مباشرة وطوال الشهور الثلاثة التالية وأعطى مؤشرات واعدة عن السنة الجارية، إذ بلغت قيمة الصفقات الدولية المعلنة في تشرين الأول اكتوبر 30 بليون دولار ارتفعت إلى 35 بليون دولار الشهر التالي وأخيراً إلى 44 بليون دولار في كانون الأول ديسمبر محققة متوسطاً شهرياً يناهز 40 بليون دولار. ويعتقد المحلل جو كينلاند من المؤسسة المذكورة أن انهيار "إنرون" وتداعياته على الشركات الأخرى أحبط ثقة الشركات الساعية إلى الدمج والتملك والشركات الراغبة فيها وأضعف رغبة الطرفين في تقبل المخاطر ما أدى إلى تراجع نشاط الدمج والتملك بحدة في كانون الثاني مقارنة مع كانون الأول، إذ بلغت قيمة الصفقات المعلنة في الشهر المذكور 18 بليون دولار واستقرت قيمة المنجز منها عند 11 بليون دولار وهو أدنى مستوى لها منذ 1995. وأوضح التقرير أن "إنرون" التي تتهم بالتلاعب بالحسابات وإقامة المشاريع لتضخيم الأرباح وإخفاء الديون وقضى انهيارها المروع على قيمة سوقية بلغت في ذروتها زهاء 60 بليون دولار، قد لا تكون العامل الوحيد وراء التطورات السلبية التي شهدتها سوق الدمج والتملك الشهر الماضي وأن ثمة مساهمات إضافية من عوامل أخرى مثل وهن الاقتصاد العالمي وتراخي أسعار الأسهم وتراجع أرباح الشركات. لكن كينلاند شدد على أن انهيار "إنرون" وما أثاره من شكوك في نظم الرقابة والمحاسبة الأميركية التي سمحت لشركة عملاقة بالاستمرار في القيام بممارسات مشبوهة لفترة طويلة، رفع سقف متطلبات الشفافية في شأن الأرباح والالتزامات وأضعف في الوقت نفسه شهية كبار مديري الشركات وحملة الأسهم في صفقات الدمج والتملك. وخلص المحلل إلى أن انهيار "إنرون" وتداعياته السلبية على مجموعة "تيكو" الأميركية، التي أثارت حساباتها الشبهات أخيرا وفقدت أسهمها في أسواق المال نصف قيمتها، علاوة على الشبهات المحاسبية التي أثيرت حول نشاط مجموعة "البنوك الإيرلندية المتحدة" ألايد آيريش بانكس الأسبوع الماضي قد تحدث في سوق الدمج والتملك أضراراً أكبر بكثير مما يمكن أن تحدثه تطورات الاقتصاد الكلي التي شهدها العام الماضي. وتميزت صفقات الدمج والتملك المعلنة الشهر الماضي بصغرها وتنوعها الجغرافي، وتعتبر المبادرة التي أطلقتها شركة النفط الكندية "بتروكندا" لتملك شركة "فيبا" البريطانية أكبر الصفقات إذ بلغت قيمتها بليوني دولار. لكن الميزة الأبرز تمثلت في أن لائحة الشركات العشر الأولى التي نشطت في سوق صفقات الدمج لم تتضمن سوى شركتين أميركيتين: مجموعة "سيتي غروب" المصرفية التي أعلنت نيتها تملك مؤسسة "أفور باناميكس" في صفقة قيمتها 1.25 بليون دولار ومؤسسة "بلاتينيوم إكويتي" التي تملكت وحدة تابعة لمجموعة "ألكاتيل" بقيمة 710 بلايين دولار. وسجل تدفق تمويلات صفقات الدمج والتملك من وإلى السوق الأميركية في كانون الثاني الماضي إنخفاضاً كبيراً بالمقارنة مع الشهور السابقة، إذ تراجعت التدفقات الأميركية إلى الأسواق الأخرى بنسبة تقترب من 50 في المئة لتصل إلى 4.3 بليون دولار بينما بلغت قيمة التدفقات الدولية إلى السوق الأميركية أقل من بليوني دولار. وجاءت هذه التطورات لصالح أسواق الاتحاد الأوروبي التي حققت للمرة الثانية فقط في الشهور ال13 الأخيرة فائضاً في التدفقات الأجنبية بلغت قيمته في الشهر الاول من السنة 2.6 بليون دولار. واعترف تقرير "مورغان ستانلي" أن شهراً واحداً قد لا يكفي لاستشراف عام بأكمله لكنه أكد أن الشكوك التي أثيرت بعد انهيار "انرون" حول السياسات المحاسبية المعقدة زعزعت الثقة في نزاهة الشركات الأميركية وقد تصبح "شوكة حادة في خاصرة سوق صفقات الدمج والتملك السنة الجارية".