قطع التطبيع الليبي - الاميركي خطوات حاسمة في الأسابيع الأخيرة، من خلال اتصالات بين مسؤولين من الجانبين، على خلفيتي التعاون الاستخباراتي في مكافحة التنظيمات والعناصر التي تتهمها واشنطن ب"الارهاب". وفيما يتكتم الليبيون على مضمون الاتصالات اعتبر الاميركيون ان رسالتهم "كانت صريحة وواضحة" وهي تتعلق بدفع تعويضات تقدر قيمتها بستة بلايين دولار لضحايا تفجير الطائرة الاميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية العام 1988، ووعد الاميركيون بفتح الباب أمام تفاعلات واتصالات دولية مختلفة مع ليبيا "إذا وفت بتعهدادتها". وتوقعت مصادر ليبية ان يسير التطبيع قدماً مع واشنطن خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الرؤية الاميركية "الايجابية" لحصاد اللقاءات الأخيرة بين الجانبين، ففي أول تقويم على لسان مسؤول اميركي للقاءات التي أجريت أخيراً في لندن بين مسؤولين ليبين وممثلين عن الحكومتين الاميركية والبريطانية، اعتبر مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا ويليام بيرنز ان المحادثات "كانت بناءة ومركزة في شكل واضح جداً". وافاد في محاضرة امام "نادي هنيبعل" في واشنطن في الثلاثين من الشهر الماضي، ان المحادثات كانت تهدف الى "ايضاح المطلوب من ليبيا القيام به للوفاء بالتزاماتها تجاه مجلس الأمن" ملمحاً للمرة الأولى الى ان "رفع العقوبات الدولية عن ليبيا أمر ممكن". وكان مجلس الأمن علق العقوبات في خريف العام 1999 في اعقاب تسليم ليبيا مواطنيها الأمين خليفة فحيمة وعبدالباسط علي المقرحي الى القضاء الاسكتلندي لمحاكمتهم بتهمة تفجير الطائرة، ولكن الحكومة الليبية ما زالت تصر على رفعها نهائياً. ولم يكشف بيرنز اسماء المشاركين في اللقاءات، إلا ان مصادر مطلعة أفادت "الحياة" ان الجانب الليبي كان ممثلاً في اللقاءين اللذين عقدا في أواسط تشرين الثاني نوفمبر الماضي وأواسط الشهر الماضي، بكل من رئيس المخابرات الليبية موسى كوسة والمندوب الدائم لدى الاممالمتحدة رئيس الوزراء السابق أبو زيد عمر دوردة والسفير الليبي لدى بريطانيا وزير العدل السابق محمد بلقاسم الزوي والسفير الليبي في روما وزير الخارجية السابق عبدالعاطي العبيدي، فيما قاد الوفد الاميركي بيرنز. وأوضحت المصادر ان اللقاءين جاءا استكمالاً للقاءات سرية سابقة عقدها كوسة في جنيف مع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا في ادارة كلينتون مارتن انديك بترتيب من أطراف عربية وأوروبية، في اعقاب تسليم فحيمة والمقرحي، الا انها لم تسفر عن نتائج ملموسة على رغم الضغوط التي مارستها شركات نفطية اميركية كبيرة لحلحلة الوضع بغية السماح لها بمعاودة العمل في ليبيا. مع ذلك، لوحظ ان "اشارات ايجابية" ظهرت من الجانبين، اذ شكل الاميركيون "مجموعة الحوار الاميركي - الليبي" غير الرسمية التي أقامت ندوتين في ماستريخت وفاليتا مالطا وضمتا أكاديميين من البلدين، فيما تشكلت في الولاياتالمتحدة جمعية للصداقة الاميركية - الليبية بمشاركة شخصيات عملت في الادارات السابقة. إلا أن الانعطاف الحقيقي أتى في اعقاب أحداث ايلول سبتمبر الماضي والتي شكلت اختباراً لنيات الليبيين من المنظور الاميركي بعدما أرسلوا اشارات الى تخليهم عن دعم المنظمات التي تصنف "ارهابية" ابرزها اخراجهم عناصر "فتح - المجلس الثوري" بزعامة صبري البنا أبو نضال من أراضيهم في العام 1988. وفي معلومات مصادر مطلعة ان الاميركيين استحسنوا الإدانة الليبية الشديدة لتنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، واعتبار الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ان الحملة الاميركية في افغانستان بمثابة "دفاع شرعي عن النفس"، مما أدى الى تسريع خطوات التقارب والتي شملت تسليم المعلومات التي تملكها ليبيا عن "القاعدة" و"طالبان" وحركة "أبو سياف" في الفيليبين الى الاميركيين، فيما وضعت واشنطن "المجموعة الاسلامية المقاتلة" في ليبيا على لائحة الجماعات الارهابية في العالم. وكان أمين وزير اللجنة الشعبية العامة للوحدة الافريقية الليبي الدكتور علي عبدالسلام التريكي قال في تصريحات أدلى بها ل"الحياة" أواخر العام الماضي ان ليبيا هي "أول من أصدر بطاقة تفتيش دولية ضد اسامة بن لادن في وقت كانت الولاياتالمتحدة تعتبره بطلاً يكافح الشيوعية". ولم يعرف إذا ما كان الموفدون الليبيون وافقوا على دفع التعويضات التي طلبتها الادارة الاميركية لأسر ضحايا حادثة تفجير الطائرة التابعة لشركة "بان اميركان" فوق قرية لوكربي، وقيمتها ستة بلايين دولار أم لا، لكن خبراء اقتصاديين أوضحوا ان المبلغ يعادل نصف حجم الايرادات السنوية لليبيا من النفط. واكدت المصادر ان بريطانيا تلعب دوراً نشيطاً في التقريب بين الجانبين ودفع مسار التطبيع قدماً بعدما تكرس وجود ليبيا في الجبهة المناهضة للارهاب بعد أحداث نيويوركوواشنطن. كذلك حض بيرنز العواصم المغاربية على "تشجيع ليبيا على اتخاذ القرارات الصائبة" التي تسهل التطبيع الليبي - الاميركي وان اكد في الوقت نفسه ان "سياستنا تجاهها تبقى واقعية وصارمة". الا انه لم يستبعد "امكانات تغيير" العلاقات الثنائية مستدلاً بوجود "دلائل تشير الى ان الحكومة الليبية تسعى الى تجاوز تاريخها الارهابي" على حد قوله. وكان قرار الرئيس جورج بوش تجديد العقوبات الاميركية على ليبيا العام الماضي أثار ذهولاً لدى الأوساط الرسمية الليبية، لكن مسؤولين اميركيين شددوا على ان القرار روتيني ولا يؤثر في استمرار الاتصالات بين الجانبين. وذهب بيرنز الى أبعد من ذلك، مؤكداً ان "الباب سيبدأ بالانفتاح أمام تفاعلات واتصالات دولية مختلفة مع ليبيا اذا ما هي وفت بتعهداتها".