استقطب الفضاء العربي، ولا يزال، أنظار إعلاميين شباب وجدوا فيه متنفساً لإثبات الذات، و"الانتشار" وتأمين "العيش المحترم" بعدما ضاقت بهم مواطنهم. وموجة انتقال الإعلاميين من لبنان وسورية والأردن إلى الخليج العربي ليست بالظاهرة الجديدة فقد عرفتها الصحافة المكتوبة قبل عقود ولا تزال. وبعد ظاهرة "هجرة الأقلام" إلى المؤسسات الإعلامية، نشهد اليوم ظاهرة التنقل بين المحطات التلفزيونية التي تساهم في "صناعة" الأسماء، بدلاً من استقدام "الجاهز" و"المعروف". خامات شابة بعضها عرف حيزاً متواضعاً من الشهرة في بلاده، وبعضها الآخر لم يجد مكاناً له في مؤسساتها، راهنوا على كفايتهم وخاضوا غمار المجهول بين قطروالإمارات العربية المتحدة، حيث المؤسسات الأكثر حيوية وتجريباً في زمن تحول بعض الإعلاميين إلى "سلع في بورصة التلفزيون"... نديم قطيش: المستجير بالنار نديم قطيش مذيع في النشرة الاقتصادية في تلفزيون "أبو ظبي"، لبناني بدأ عمله في الصحافة المكتوبة وعمل جندياً مجهولاً في التلفزيون كمعد برامج علّه يحصل على مكان أمام الشاشة، الأمر الذي لم يتحقق إلا خارج لبنان. يقول: "جاء التحاقي بقناة أبو ظبي الفضائية بعد سلسلة تجارب متفرقة وغنية كمستكتب في الصحف. تجارب أدين للمنابر التي كانت مسرحاً لها، لكن يجب القول ببعض الأسى ان الحقل الإعلامي في لبنان يشبه البلد نفسه بما يملكه من قوة طاردة. فالانخراط في هذا الحقل في لبنان تحديداً وتكوين مهنة توفر عيشاً كريماً واستقلالية حرفية يبدوان في غاية الصعوبة". وبما أن الحقل الإعلامي الضيق من الدوحة إلى الإمارات يشكل وعاءً خصباً للتجارب الجديدة، مع الإقرار بما يشوب هذه التجارب من عثرات وسقطات وبما قد يعرقلها من بيروقراطية أو ما قد يكبلها على مستوى المحافظة السياسية والاجتماعية، غير ان الخطوة التي اتخذها يعتبرها قطيش إيجابية. ويضيف: "التفكير في السلبيات يقودني إلى تعديل مقولة الحيوية. بالنسبة إلي كانت مغادرة الحيوية السياسية والاجتماعية اللبنانية السلبية الكبرى. لا سيما أن المقابل كان انخراطاً متعثراً في حيوية أخرى ما زالت قيد التشكل". ويرى قطيش أن لبنان ليس وطناً ننتمي إليه بفعل الهوية، "وإنما هو مكان نصاب به أو لا نصاب. وبهذا المعنى لا أجرؤ على وضع شروط لعودتي، ان البقاء في الوطن نضال يتطلب دونكيشوتية لا أدعي امتلاكها. فإما أن أعود عاقداً تسوية مع البلد أو أبقى خارجه، وهذه حال المستجير من الرمضاء بالنار". لينا زهر الدين العامل المادي من التحرير في قسم الأخبار والإذاعة في الراديو، كانت لينا زهر الدين في طليعة المذيعين الإخباريين المنضمين إلى قافلة فضائية أبو ظبي عند تأسيسها قبل أربع سنوات، لتنتقل منها إلى فضائية "الجزيرة". تقول: "عندما عُرض علي العمل في تلفزيون "أبو ظبي" كمذيعة أخبار رئيسية كانت دهشتي وفرحتي كبيرتين. تجربة كانت الأولى في حياتي اعتبرتها فرصة مهمة لكسب الخبرة والشهرة في آن، مع عدم إغفال العامل المادي. ومضت قائلة: "تجربة متواضعة وعلى أهميتها، وفرت لي فرصة أخرى اعتبرها الأهم وهي عملي الحالي في قناة الجزيرة في قطر لا سيما أنها القناة الإخبارية الأوسع انتشاراً في العالم العربي". وعلى رغم حنينها إلى مسقط رأسها، لا تبدو زهر الدين مستعدة للتخلي عن عملها في الدوحة حيث وجدت فرصتها والعودة إلى بيروت "مهما كان العرض مغرياً، على اعتبار أن الإعلام المحلي فقير مادة ومضموناً ومحدود في ما يطرح من مواضيع". كل هذا يضاف إليه غياب الأفكار والعمد إلى التقليد "يدفع الإعلامي إلى البحث عن مكان له حيث التفرد". هنادي زيدان: مكان الكفاءة تعتبر هنادي زيدان الانتقال من محطة إلى أخرى فرصة لذوي المواهب والقدرات لإثبات الذات. وهي بدأت مذيعة اخبار في تلفزيوني "المستقبل" و"الجديد". يعتبر وضع زيدان مختلفاً نسبياً عن غيرها من أبناء جيلها. فهذه الإعلامية التي عرفتها الشاشة الصغيرة قبل موجة الفضائيات، دفعتها أسباب عدة إلى الانتقال إلى تلفزيون أبو ظبي "منها تحسين المستوى المادي وحب المغامرة والسفر، الاستفادة المهنية والخروج من دائرة الروتين والتغيير". تقول: "وجدت هنا الكثير مما أفادني إنسانياً ومهنياً. ففي الخليج لا مكان لمن لا يملك القوة والموهبة والمعرفة والثقافة. اكتشفت في نفسي ما لم أكن اعرفه عنها وازدادت ثقتي بذاتي وبما أقوم به، وخرجت من النمط الوظيفي التقليدي إلى العمل النوعي الاحترافي". لم تعنها الشهرة يوماً، "فالقدرة على إيصال عملي للآخرين هي المهمة وكسب محبة الناس واحترامهم". لتلفت إلى ان الجنسيات والخبرات المختلفة تثقل معارف الإنسان لا سيما عند الحديث عن محطة تعنى بالشأن العربي عموماً، من دون إغفال أهمية توسيع دائرة المعارف وتحسين المستوى المادي وزيادة الخبرة في العمل والحياة. وعن سبب تعويل الخليج على إعلاميين غير خليجيين إلى جانب أبنائه تقول: "الفضاء اصبح عربياً لا خليجياً أو لبنانياً أو مصرياً أو غيره". سالي الأسعد: سلع في بورصة! من مذيعة في التلفزيون الأردني، انتقلت سالي الأسعد الأردنية ذات الدماء المصرية والفلسطينية إلى قناة قطر الفضائية لسبب مختلف. فقد جاء سفرها إلى الدوحة عام 1998 لتلحق بزوجها المذيع الرياضي في "الجزيرة" لطفي الزعبي. وهي لا تعتبر البحث عن مكان أمام الشاشة دافعاً للسفر إذ تقول: "عرفت شهرة في بلدي ومن خلال مشاهدي التلفزيون الاردني". ولا ترى أسعد الدول الخليجية فقيرة بالكفايات "وإنما تأتي الاستعانة بصحافيين ومقدمين من جنسيات أخرى رغبةً من تلك المحطات في توسيع نطاق مشاهديها، يضاف إلى ذلك إحجام المرأة الخليجية عموماً والقطرية خصوصاً عن دخول المجال الإعلامي المرئي - على رغم تمتعها بما يؤهلها لذلك". وتعتبر الانتقال بين المحطات أمراً شخصياً بحتاً فالبعض يغير المحطة لدوافع مادية أو حتى للحصول على فرصة العمل في محطة اكثر مشاهدة، معتبرة الإعلامي في ظل العولمة وسياسات الانفتاح الاقتصادي أشبه ب"سلعة" في بورصة التلفزيون "فهناك سعر لكل مقدم وكل مذيع، بعضهم يطرح نفسه على من يدفع اكثر".