لا يُفهم من دعوة الرئيس الإسرائيلي الموجهة الى الأمير عبدالله لزيارة القدس، أو دعوة نفسه لزيارة الرياض، إلا محاولة جلية لإحباط مبادرة ولي العهد السعودي. وهو ما يفترض ان يشكل دافعاً اضافياً للقمة العربية المرتقبة الى تبنيها، ووقف رهان بعضهم على الالتفاف عليها عبر محاولة إدراجها ضمن الثوابت التقليدية للموقف العربي. فالمبادرة خطوة غير عادية وواضحة في حديثها عن تطبيع العلاقات في مقابل السلام الشامل، ولا تحتمل اجتهادات في غير محلها ولا تفسيرات سمعنا بعضها من سياسيين حاولوا جعلها امتداداً طبيعياً لمؤتمر مدريد وتأطيرها داخل اللغة الديبلوماسية، بل الخشبية، المستخدمة للتشديد على القرارات الدولية. يذكُر الجميع الأصوات التي طالبت بتأجيل القمة بحجة ان العرب عاجزون، او مختلفون على تأييد رأس السلطة الفلسطينية ام الانتفاضة، وليس لديهم ما يقولونه. اما بعد مبادرة الأمير عبدالله فيستطيع هؤلاء الاطمئنان الى أنه اصبح للقمة ما تقوله. وما ستقوله يحتاج الى اعتراف الجميع، وليس عمرو موسى فقط، بأن الوضع العربي "سيئ جداً جداً جداً"، وأن ما وصل إليه الفلسطينيون هو نتيجة تراكم ظروف صعبة وأخطاء تقع مسؤوليتها على العرب جميعاً وتحتاج منهم الى قرارات جريئة تكسر حلقة الركود في العملية السلمية وتخاطب الولاياتالمتحدة والعالم بلغة العصر. وإذ ثبت ان الجمود العربي منذ 11 ايلول سبتمبر عند التفريق بين المقاومة والإرهاب أثبت عدم جدواه السياسية، فإن مبادرة الأمير عبدالله تجعل القمة، لو تبنتها، تتجاوز هذه المعادلة لتعيد الصراع العربي - الإسرائيلي الى شموليته، واضعة سقفاً للمطالب وخطاً أحمر لما يمكن تقديمه لقاء الانسحاب الشامل ودولة فلسطينية عاصمتها القدس. ستكتشف القمة العربية العتيدة لو وضعت المبادرة في جدول الأعمال انها لا تقترح حلاً للمشكلة الفلسطينية فقط. لكنها تعيد أيضاً بعض الروح الى نظام عربي مزّقه العرب انفسهم حين احتل العراقالكويت. فهي، إذ تكتسب اهميتها من شخصية صاحبها وموقع المملكة السعودية العربي يمكنها احياء الموقف العربي التفاوضي الموحد وجعل سباق المسارين السوري والفلسطيني ذكرى أليمة يمكن تجاوزها بالتخلي عن الشكوك المتبادلة، وتحويل هاجس الدور لدى مصر الى فاعلية تتناسب مع خبرة القاهرة ودورها القيادي. والمبادرة إذ تكتسب اهميتها من موقع المملكة الإسلامي المميز تستطيع، على المدى البعيد، فتح الباب امام مساهمة عربية فعلية في حوار مجدٍ للحضارات بعيداً من ثنائية "محور الشر" و"الشيطان الأكبر". مضى زمن طويل لم تعقد خلاله قمة ذات جدول اعمال يمكنه إنتاج رؤية أو تشكيل اضافة سياسية مهمة. واليوم تأتي المناسبة ليؤكد الزعماء العرب ان بإمكانهم التداول في مستقبل شعوبهم، وباستطاعتهم مخاطبة العالم ببيان لم يكتب مسبقاً أو كان يمكن ان يصدر عن أي قمة سابقة. وردود الفعل الدولية والعربية تشجع على التفاؤل بأن تتبنى القمة المبادرة وتتمسك بحيويتها وثوابتها على السواء. فهي بجمعها عدم الجمود مع عدم التفريط يمكنها إخراج العرب من المراوحة والهامشية وكسر الحصار المفروض، خصوصاً على العقل العربي الذي تعوّد ردود الفعل بدل الفعل، ويمكنها مخاطبة العالم وأوروبا تحديداً لتشكيل حلف الاعتدال المستند الى الشرعية الدولية ولعقلنة القوة العسكرية الأميركية الهوجاء. تخطئ القمة، كما فعل بعض السياسيين العرب، لو لم تلتقط روح المبادرة، أو لو تعاملت معها كامتداد للغة مدريد أو للغة الديبلوماسية المعبّر عنها تقليدياً في الجامعة العربية وقرارات وزراء الخارجية والقمم. فالمبادرة اعلان سياسي فريد في ظروف دولية استثنائية. وهي مشروع عربي متكامل للمستقبل. أما محاولة ادراجها في خانة ثوابت الماضي، فستكون محاولة لإفشالها لا تخفى على أحد.